إعلان

من يعبر الحواجز يصبح كبيراً "1"

د. أحمد عمر

من يعبر الحواجز يصبح كبيراً "1"

د. أحمد عبدالعال عمر
07:05 م الأحد 13 ديسمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لماذا غاب المفكر الكبير عن حياتنا ومشكلات واقعنا؟

ولماذا لم يعد للمفكرين الأكاديميين خاصة، والمثقفين والكُتاب عامة، أي دور في حياتنا؟ وكيف للمفكر والمثقف والكاتب أن يصبح كبيرًا؟

تلك أسئلة يفرضها الواقع اليوم على كل مهتم بالشأن العام، وكل مشتغل بإنتاج وتسويق الفكر والثقافة في بلادنا.

وفي محاولة للبحث عن إجابات لها وجدت أن الراحل الدكتور غالي شكري قد نشر في تسعينيات القرن الماضي مقالًا رائعًا بجريدة الشرق الأوسط، بعنوان "من يعبر الحواجز يصبح كبيرًا". ثم أعاد نشره بعد ذلك بشكل موسع في كتابه "الخروج عن النص".

وقال في هذا المقال إن النص الفكري وحده لا يكفي في أغلب الأحيان في وضع المفكر في حجمه الحقيقي، بل إن النص لا يكتسب معناه بالكامل إلا حين يتحقق الحوار من حوله بالاتفاق أو الهجوم، وحبذا لو كان الهجوم هو الأقوى، وخاصة إذا وصل هذا الهجوم "بالمفكر المتهم" إلى حالة العقاب المادي أو المعنوي.

وهو يرى أن هذا العقاب يعني أن الكاتب قد خرج على السائد والشائع والمألوف إلى درجة تهدد بالخطر بعض القيم أو التقاليد أو الأعراف أو المصالح، وبذلك يكتسب حضوره زخمه ودلالاته القصوى.

وهذا يعني- عنده- أن المفكر لا يصبح كبيرًا بالجلال الحقيقي أو الزائف الذي يُحيط بالنص الفكري، بدءًا بالدعاية الإعلامية، وانتهاءً بالجوائز، ومرورا بحفلات التكريم، وإنما باشتباك النص مع الواقع، وهو الاشتباك الذي يحول النص من كلمات مطبوعة على الورق إلى حياة زاخرة بالصراع والمتناقضات، تفرض ذاتها على الواقع.

ولتأكيد فكرته عن حقيقة النص الفكري المؤهل للاشتباك مع الواقع، القادر على صنع المفكر الكبير، قال الدكتور غالي شكري إن هناك أعمالا كبيرة كما يصفها المثقفون، ولكنها إما تحظى بعنايتهم وحدهم في دوائرهم المغلقة، وإما أنها تنعم بالصمت الذي يسدل الستائر الثقيلة على "الجوهرة المكنونة" حتى لا يدري بسرها أحد.

وقال إن هذه الأعمال- مهما تتمتع بالصفات الأكاديمية الخالصة، فإنها بابتعادها عن مشاكل الواقع والاشتباك معه، لا تكتسب مع الزمن هي وأصحابها المعاني الكبيرة، التي يربحها غيرهم، عندما تدخل أعمالهم في نسيج المعارك الكبيرة، فتتحول من نص شخصي للكاتب إلى نصوص للحياة ذاتها.

ثم يضرب الدكتور غالي شكري عدة أمثلة لنصوص فكرية توفرت فيها تلك الشروط، مثل:

كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1925، ويعرض للمعركة التي أثارها في حينه.

كتاب "في الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين، الذي صدر عام 1926.

كتاب "الديوان" الذي أصدره الأستاذ عباس محمود العقاد وصاحبه إبراهيم المازني عام 1921.

وكذلك بعض مؤلفات الأستاذ خالد محمد خالد في العهد الملكي وبعد ثورة يوليو مثل "من هنا نبدأ" و"مواطنون لا رعايا" و"الديمقراطية أبدا" و "لكي لا تحرثوا في البحر" وكتاب "في البدءِ كانت الكلمة".

وكل تلك المؤلفات خاض أصحابها بسببها معارك كبيرة، وخرجوا من مضمارها مفكرين كبارا، لم تصنع نجوميتهم وحضورهم هالات الوقار الأكاديمي أو الإعلامي، وإنما المعارك التي خاضوها بشجاعة، وأعادت ولادة النص في الحياة بعد ولادته في الكلمات.

ثم حدد الدكتور غالي شكري بعد ذلك الشروط التي يمكن استخلاصها من المشترك بين الأنماط المختلفة للمفكرين الكبار، ومعاركهم الكبيرة، ويقسمها إلى شروط ذاتية تعود للمبدع والمفكر ذاته ونصه، وشروط موضوعية تتعلق بعصر المفكر وسياقه ومجتمعه.

وهي الشروط التي سوف أعرض لها في المقال القادم؛ لنعرف كيف يصبح المفكر كبيرًا.

إعلان