إعلان

الخلود الرقمى ...

محمد حسن الألفي

الخلود الرقمى ...

محمد حسن الألفي
07:00 م الثلاثاء 27 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

اسم غريب، وعنوان أغرب، وفكرة أعجب من العجب! أليس كذلك؟

نعم، هذا هو الحاصل حقا... فليس شيءٌ أعجب مما ابتليت به البشرية منذ أواخر العام الماضي، ولا تزال تعاني منه للعام الثاني على التوالي وهو وباء كورونا الفتاك الخفي، وأمس فقط سمعت خبرا أشد غرابة لكنه أول خبر إيجابي؛ يتعلق بالعثور على مياه في القمر.

سطح القمر به كميات مياه وفيرة؛ ما يجعل الحياة ممكنة أو موجودة. وفق ما أعلنت عنه وكالة الفضاء الأمريكية ناسا. ومعروف أن قوانين الفضاء الدولية تمنع منعا كليا تسليح وعسكرة القمر أو الفضاء، لكن العثور على الماء سيخلق أطماعا وتحديات جديدة.

بالنسبة للإنسان فإن أكبر مطامعه بعد الماء والغذاء والصحة هو الخلود الرقمى- الاسم والعنوان الغريبان أعلاه!

والحق أنهما غريبان بالنسبة لغير المتابعين الذين انحصرت اهتماماتهم وعقولهم في متابعة المال السياسي والتسريبات والعك الذى لوث الأجواء والصدور، وبات الناس يتحدثون وجِلين مما يسجل لهم!

ما بعد الإنسانية... هل هناك ما بعد الإنسانية؟ هل هناك خلود بالتكنولوجيا؟

نعم، هناك خلود بالتكنولوجيا، ويقطع العلماء بأن التطور التكنولوجي الحالي غير مسبوق، ويتقافز، وسيتضاعف، وسيفتح آفاقا وثقوبا فلكية على إمكانيات ومهارات لم تخطر بعقل بشر.

يقولون أيضا إن التطور التكنولوجي المتسارع صار يسبق التطور البيولوجي. لا يعني ذلك قدرة التكنولوجيا على أن تلد ما يخلقه الخالق في الأرحام، لكن يعني أن التكنولوجيا تشتغل على المخلوق. على الأعضاء المريضة والمبتورة والمتدهورة. تراهن على حركة ما بعد البشرية، وهي حركة علمية مؤمنة بالخلود الرقمي، وأن بوسع الإنسان ألا يموت إذا ما تواجدت قطع الغيار المتجددة بفضل الاختراقات العلمية وتطبيقات العلوم، وهو ما يعرف بالتكنولوجيا.

باختصار: إن التكنولوجيا هي تطبيقات نتائج العلوم. وهو ما نستمتع به حاليا في حياتنا، ونتطلع به لمواجهة مخاوف الموت.

عقل الإنسان هو ما أبدعه الله- سبحانه وتعالى- وما كان لهذا العقل أن يبلغ هذه الآفاق اللانهائية إلا بقدرة المانح الخالق الداعي إلى العلم والنظر في الملكوت.

يمكن، إذن، لأي أنسان أن يبدل قلبا أو ذراعا أو جذعا أو عمودا فقريا، أو رأسا كاملًا أو أعضاء التناسل والتكاثر... وقد يجد المرء نفسه مصفحا بأسلاك ومعادن ورقائق، ولا يجد جلده الطبيعي ولا إحساسه.

كل هذا يمكن أن يمنح الإنسان الوجود.. لكنه أبدا لن يمنحه الحياة. الوجود كالشيء. كائن. الحياة هي الفرح والحزن والنصر والهزيمة والسعادة والوجوم والتعاطف والحب والكره والحلال والحرام... الحياة إحساس كامل وهزة في القلب والعقل وخفة في الروح.

أن تتحول لكائن مبدل رقميا... ستفقد تلك المباهج رغم بعض المرارات... أن تتحول لكائن معدل ومرقع بقطع غيار وشرائح ذكية ستكون آلة...

هل تحب أن تعيش آلة مدى الحياة؟

المرء الطبيعي البيولوجي يملّ من عمره عند السبعين... وعند الثمانين يدعو الله أن يقرب أجله... فما بالك بمن يطلب الخلود، ولو كان صناعة معدنية ذكية؟!

أن أعيش لحما ودما وأعصابا وضميرا نابضا وقلبا خافقا خيرٌ من أن أتجمد داخل سوفت وير وهارد وير لا يمثلني.

سحقا للخلود الرقمى .

تغيير قلب ممكن. ذراع بديلة ممكن. ساق. عين... لكن كل الجسم لن يجعلك كل الإنسان !

و... كله بأمره- سبحانه- العلي القدير.

إعلان