إعلان

هذا الحرج في الخرطوم!

الكاتب الصحفي سليمان جودة

هذا الحرج في الخرطوم!

سليمان جودة
07:09 م الأحد 18 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

نشرت صحيفة "السياسة" الكويتية في عددها الصادر صباح الجمعة، ١٦ أكتوبر، أن ادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمهلت الحكومة في السودان ٢٤ ساعة لبدء التطبيع مع إسرائيل!

وفي تفاصيل الخبر أن مفاوضات جرت بين الجانبين على مدى الفترة الماضية، وأن حكومة الدكتور عبدالله حمدوك في العاصمة الخرطوم كانت متمسكة بعدم الربط بين إطلاق علاقاتها مع تل أبيب، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب!

ومما ذكرته صحيفة "الشرق" السودانية التي نقلت عنها السياسة الكويتية تفاصيل الخبر أن الولايات المتحدة كانت في المقابل تربط بين الأمرين، ولا تزال تتعامل مع حكومة حمدوك على أساس: "هذه بتلك"!

وكانت أمريكا قد وضعت السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقت أن كان عمر البشير في الحكم عام ١٩٩٣.

وحين سقط البشير في السنة الماضية تصور الإخوة في السودان أن رفع اسم بلادهم من هذه القائمة مسألة وقت، وأن الأمر لا يحتاج إلى جهد من جانب الحكومة الجديدة في الخرطوم، وأن إدارة ترمب سوف تراعي ظروف البلد وهو يجاهد هذه الأيام للوقوف على قدميه.

ولكن اتضح أن ذلك كله كان نوعاً من النوايا الطيبة لدى كل سوداني، وأن القصة كلها حسابات أخرى على المستوى الأمريكي!

لقد دخلت إدارة ترامب مع الحكومة السودانية في نوع من المقايضة نادر الوجود، وراحت تقول بصريح العبارة إنها لا مانع لديها من رفع اسم السودان من القائمة، والقرار جاهز تقريباً، وكل ما هو مطلوب أن تتخذ حكومة حمدوك في المقابل قراراً آخر هو بدء علاقات طبيعية مع إسرائيل!

ووجدت الحكومة السودانية نفسها في مأزق صعب، لأنها تريد بالفعل رفع الاسم بأي طريقة، ولأنها في الوقت نفسه حكومة انتقالية جاءت إلى مقاعد الحكم لثلاث سنوات في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق، وهي مرحلة مؤقتة سوف تجري بعدها الانتخابات!

وربما وجدت نفسها في موقف لم يسبق لحكومة سودانية، ولا حتى لحكومة عربية أن وجدت نفسها فيه، والسبب أنها مدعوة إلى أن تتصرف في مسألة سياسية كبيرة مثل العلاقة مع إسرائيل، رغم أنها لا تملك فيها قراراً بحكم أنها في النهاية حكومة انتقالية لا تستطيع أن تقول إنها مفوضة من الشعب في اتخاذ قرار على هذا المستوى!

وتنتهز إدارة ترامب هذا المأزق وتضغط على الجانب السوداني أكثر وأكثر، ولا تتوقف عن المزيد من الضغوط، كلما اقتربت الانتخابات الأمريكية التي تجري في الثالث من نوفمبر!

وكأن الرئيس ترامب يريد أن يحل مشاكله مع المرشح المنافس جوزيف بايدن على حساب السودان، وعلى حساب كل دولة عربية تتعرض هذه الأيام لمثل هذه الضغوط المتزايدة التي تتعرض لها الحكومة السودانية، في اتجاه الإعلان عن بدء علاقاتها مع اسرائيل!

فاتخاذ خطوة كهذه من جانب أي عاصمة عربية في هذا التوقيت بالذات يخدم ترامب انتخابياً على مستوى اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، بما يجعل من هذا اللوبي بوقاً يسعى بالدعاية لصالح ترمب وحزبه الجمهوري في أنحاء البلاد!

إنها مشكلة كبيرة تواجه الحكومة في السودان، لأن واشنطن تمسكها من يدها التي توجعها، ولأن هذه اليد توجع الحكومة السودانية بما يكفي.. أقصد اليد الخاصة برفع الاسم من القائمة، بكل ما يمكن أن تؤدي إليه خطوة رفع الاسم من فتح لأبواب كثيرة أمام السودانيين في المجتمع الدولي!

كان الله في عون السودان وهو يجد نفسه في هذا الموقف السياسي الصعب.

وكان الله في عون المواطن السوداني الذي يجد نفسه حائراً بين دعم حكومته فيما تراه من ناحية، وتمسكه باتخاذ قرار التطبيع في الوقت الذي يراه هو ويحدده هو من ناحية أخرى!

ليت إدارة الرئيس ترامب تدرك أن حكاية "هذه بتلك" ليست هي المعادلة المناسبة للتعامل مع حكومة السودان في هذا الملف...!

إعلان