إعلان

النادرون ندرة الياقوت

د. أحمد عمر

النادرون ندرة الياقوت

د. أحمد عبدالعال عمر
07:01 م الإثنين 12 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"يمتلئ هذا العالم بأشخاص مهووسين بالثروة أو الشهرة أو السلطة، وكلما اكتسبوا المزيد من النجاح، شعروا أنهم بحاجة إليها، وبجشع وطمع شديدين. جعلوا الممتلكات الدنيوية قبلتهم، ولم يعودوا ينظرون إلا في ذلك الاتجاه، غير مدركين أنهم سيصبحون عبيدًا للأشياء التي يسعون إليها بشره.

إن هذا نمط مشترك يحدث دائمًا، ومن النادر ندرة الياقوت، أن ترى رجلًا شق طريقه إلى الأعلى، أو رجلًا يمتلك قدرًا كبيرًا من الثروة والشهرة والسلطة، يتخلى عنها فجأة، ويعرض سمعته للخطر، وينطلق في رحلة داخلية لا يمكن لأحد أن يعرف أين أو كيف ستنتهي. و"الرومي" هو تلك الياقوتة النادرة".

هذا ما كتبته الروائية التركية "إليف شافاق" في روايتها "قواعد العشق الأربعون" واصفة السمة الأساسية الفارقة في سيرة وحياة الصوفي الشهير "جلال الدين الرومي"، التي صنعت حضوره وتفرده في الوعي الصوفي والإنساني.

وجوهر تلك السمة، هو قدرته على الاستماع لصوت قلبه، ولفظ الأوهام التي تسم نظر البشر إلى العالم، والتحرر من رق الأشياء المادية، والتحلي بالقدرة على الاستغناء والزهد في المال والسلطة والشهرة، رغم امتلاكه لهم؛ لشعوره بأن هناك معنى غائبًا، وبعد روحي مفقود، وبفقده يفقد وجوده الشخصي معناه وجدواه.

ومع هذا الشعور بدأ "الرومي" في خوض رحلة الاستيقاظ من سباته الروحي والوجودي، والبحث عن إجابات للأسئلة التي استشعرها في باطنه، لكي يجد نفسه، ويعرف ذاته، ويصل إلى يقين يريحه، وخيارات وجودية تًعطي لحياته معنى وقيمة، وتجعل من وجوده العابر في هذه الحياة إثراء للوجود العام، وإضافة لميراث القيم الروحية والإنسانية.

وهذا الاختيار في يقيني، يجسد لنا قمة البطولة الروحية التي يمكن أن يصل الإنسان إليها، وهي البطولة التي تمنحه القدرة على اجتياز ليالي الشك والقلق والحيرة؛ ليصل إلى يقين يريح قلبه ويطمئن عقله، ويجعله يسمو على غريزة التملك وحب المال والسلطة والشهرة، ويتجاوز كل أشكال ضيق الأفق والجهل والتعصب؛ ليحلق في آفاق من التسامح والمحبة وقبول الآخر.

وتلك البطولة الروحية هي مفتاح شخصية عظماء الإنسانية النادرين ندرة الياقوت، وهي التي جعلتهم ملوكًا أحرارًا في ملكوتهم الخاص، الغني ببحار ومحيطات وسماوات متعددة.

وهي التي جعلتهم في النهاية يعيشون في حالة صفاء دائم، وحرية حقيقية يحسدهم عليها ملوك الأرض، وكل عشاق المال والسلطة والشهرة الذين لا يعرفون فضيلتي الاكتفاء والاستغناء.

إعلان