إعلان

 إخفاق الزمالك من منظور علم الاجتماع

الكاتب طارق أبو العينين

إخفاق الزمالك من منظور علم الاجتماع

طارق أبو العينين
09:00 م السبت 03 أغسطس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أعتقد كمشجع لفريق الزمالك أن إخفاق الأخير وتفريطه طوعاً في بطولة الدوري هو أمر يتجاوز بكل تأكيد مجرد النقاش في أمور فنية، خصوصاً أن هذا الإخفاق قابله نجاح مدوٍ لمنافسه الأهلي الذى كان الأضعف فنياً طوال الدور الأول من البطولة، وهو ما يعنى أننا أمام نمطين متناقضين في الإدارة؛ أحدهما حول الفشل إلى نجاح، بينما فعل الآخر العكس؛ ولأن الظاهرة الكروية بكل زخمها باتت تتطلب قدراً من التحليل العلمي يناسب جماهيريتها الجارفة وتأثيرها المجتمعي الذي بات طاغياً، فمن المنطقي جداً أن نقول إن هذا التناقض بين منطقين في الإدارة هو بمثابة انعكاس لتناقض جدلي قائم بين منظورين أو تيارين في علم الاجتماع ...

التيار أو المنظور الأول هو تيار الصراع الاجتماعي الذي يتكئ على نظرية الصراع بوصفها أهم فكرة أو واقعة محركة وصانعة للوجود الاجتماعي، فالمنظر الرئيسي لهذا التيار المفكر الألماني رالف دارندورف، والذي يعد أحد أقطاب مدرسة علم الاجتماع الألماني كان قد أشار في أبرز مؤلفاته بعنوان "الطبقة والصراع الاجتماعي في المجتمع الصناعي"، أن جوانب الحياة الاجتماعية التي يحكمها منطق الصراع وعدم الانسجام هي أهم في دراسة المجتمع من الجوانب التي تتسم بالانسجام والتآلف، فالصراع ينتج كما يقول دارندورف من الاختلاف والتعارض بين مصالح الأفراد والجماعات، موسعاً دائرة الصراع من صراع بين الطبقات كما كان يعتقد ملهمه كارل ماركس إلى صراع على السلطة والقوة تنتفع بوجوده واستمراره جماعات اجتماعية تسعى إلى تحقيق أهدافها من خلال عملية الهيمنة والسيطرة، ولذلك لم يكن غريباً أن تحول إدارة الزمالك مفهوم الصراع إلى قانون وجود تتسع دائرته لتشمل إضافة إلى مجلس إدارة الأهلي اتحاد الكرة ولجنة الحكام والإعلاميين ومدوني الفيس بوك من مشجعي النادي ومعارضيه داخل النادي من أعضاء الجمعية العمومية، ومن ثم فقد كان طبيعياً أن يستدعي رئيس النادي كل هؤلاء بشكل لا شعوري في أي ظهور إعلامي له بوصفهم متآمرين ضد مصلحة الزمالك، ذلك بالإضافة إلى توظيف المعتقدات الخرافية كالسحر الأسود والشعوذة لتبرير هزيمة الفريق في مباراة الأهلي الأخيرة ....

وعلى العكس من ذلك فقد عبرت إدارة الأهلي باتجاه الضفة المقابلة لعلم الاجتماع؛ لأنها ببساطة تعد انعكاساً لخليط من أفكار المدرسة الوظيفية التي أسسها عالما الاجتماع الفرنسيان الكبيران أوجست كونت وإميل دوركايم، ومفهوم الترشيد العقلاني الذى نظر له عالم الاجتماع الألماني الشهير ماكس فيبر، فالمدرسة الوظيفية تعتقد بعكس مدرسة الصراع أن المجتمع نظام معقد تعمل شتى أجزائه سوياً لتحقيق الاستقرار والتضامن بين مكوناته؛ ولذلك فقد دأبت تلك المدرسة على استخدام مبدأ المشابهة العضوية للمقارنة بين عمل المجتمع وما يناظره من أعضاء الجسم في الكائنات الحية مشددة كذلك على أهمية الإجماع الأخلاقي، أي اشتراك أغلب الناس داخل المجتمع في الإيمان بنفس القيم كضرورة للحفاظ على تماسك واستقرار المجتمع بحسب ما أشار عالم الاجتماع الإنجليزي الشهير أنتوني جدنر في كتابه "علم الاجتماع"، كما أن مفهوم الترشيد العقلاني عند ماكس فيبر يعنى إزاحة المعتقدات التقليدية التي ترتكز على الخرافة والشعوذة وتبنى أساليب التفكير العقلاني والترشيد والحساب التي تأخذ في الاعتبار معايير الكفاءة والاحتراف والتوقعات المستقبلية، وهو ما فعلته إدارة الأهلي بامتياز سواء بالحفاظ على قوام فريق الأهلي واستقراره واستخدام المنطق العقلاني في التعاطي مع الهزيمة الثقيلة من فريق صن داونز، خصوصاً أن تلك الأزمة قد عكست مدى تماسك الأهلي كمؤسسة لاعتقاد جميع أعضاء جمعيته العمومية أنهم جزء في جسد كيان كبير اسمة الأهلي؛ لذلك فإن تلك الأزمة لم توظف انتخابياً من قبل محمود طاهر رئيس مجلس إدارة الأهلي السابق وأنصاره للمزايدة على الإدارة الحالية التي تعاطت هي الأخرى مع أزمتها بذكاء وعقلانية، فانكبت على إصلاح أمورها الداخلية بحرفية شديدة وفي صمت بعيداً عن ضجيج الإعلام وأسلوب المزايدة وفتح الجبهات مع الخصوم أو اللجوء للخرافة لتغطية فشلها وإخفاقاتها كما فعلت إدارة الزمالك...

ولذلك يمكن القول في النهاية أن إدارة الزمالك قد بددت بسلوكها الصراعي قدراً لا يستهان به من رأس المال التاريخي لكيان كبير اسمه نادي الزمالك؛ لأنها وظفت خطاب المظلومية التاريخية المتمثل في انحياز التحكيم واتحاد الكرة للأهلي للتغطية على فشلها الواضح بفعل هذا السلوك، فبات هذا الخطاب نفسه محل شك كما أن هذا السلوك وفر ذريعة للإدارة للتعاطي مع النادي العريق وجماهيره بمنطق شمولي قائم على الهيمنة والسيطرة واحتكار الحقيقة واتهام المخالفين في الرأي بالتآمر ضد مصلحة النادي، فبددت بذلك الصورة الذهنية التي تشكلت عن مشجعي الزمالك تاريخياً باعتبارهم صفوة جماهيرية مستنيرة قالت لا في وجه من قالوا نعم عندما اختارت انحيازاً كروياً مغايراً للإجماع الجماهيري الأهلاوي...

إعلان