إعلان

 فشلت القمة تقريبًا ونجح ماكرون!

محمد حسن الألفي

فشلت القمة تقريبًا ونجح ماكرون!

محمد حسن الألفي
09:00 م الثلاثاء 27 أغسطس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يمكن القول إن قمة الدول الصناعية السبع الكبرى (الثمانية سابقا) التى عقدت لمدة يومين في فرنسا- لم تنجح، لكنها بالفعل تجنبت الفشل.

القمة استبعدت قطبا دوليا رئيسيا هو روسيا كالعادة منذ سنوات، تنفيذا لعقوبات منذ استرد الروس جزيرة القرم من أوكرانيا وقررت الدول الأوروبية إبعادها فى عام ٢٠١٤.

العقوبات ضد روسيا تتصاعد بفعل الضغوط الأمريكية، وساحتها الرئيسية القارة الأوروبية. وبغض النظر عن النتائج التى انتهى إليها الصناعيون الكبار في العالم، وضيوفهم من مصر الرئيس السيسي وزعماء أفارقة ودوليون عديدون، فإن الموقف الفرنسى الفاعل كان بارزا، ومتناقضا، بشكل لافت يحتاج لتفسير وتحليل. خصوصا أن ماكرون الداعى لعدم إقصاء روسيا هو ذاته الذى اعترض على عودتها من قبل لأن في ذلك إضعافًا للموقف الأوروبي ومكافأة لموسكو على ضم القرم! وكان التقى قبلها بخمسة أيام بالرئيس الروسى فيلاديمير بوتين فى فرنسا. الدبلوماسية الفرنسية يقودها بحماس ورؤية شاملة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، هى النجاح الوحيد الملموس فى هذه القمة.

الظرف الأوروبي الإقليمي أتاح الفرصة لهذا النجاح الذى استأثرت به باريس ماكرون بسبب من ضعف ميركل بعد هزيمة حزبها الانتخابية، وبسبب من استقالة رئيس الوزراء الإيطالي، وبسبب من استقالة تيريزا ماى وبديلها بوريس جونسون الذى لا يزال يدرس الملفات ومن ثم لم يكن فاعلا ولا مؤثرا.

قاطرة أوروبا عادة هي فرنسا وألمانيا أكبر قوتين اقتصاديتين، لكن الاقتصاد الفرنسى متراجع، أما لندن فإن عربة واشنطن تجرجرها حيثما توجهت. لذلك غابت ملامحها تماما بفعل الظروف الداخلية، وإن أشارت النذر إلى أن لندن- جونسون طبق الأصل من واشنطن- ترامب.

إحساس ماكرون بأن القارة الأوروبية صارت تحت الضغط الأمريكى في حربها الباردة مع روسيا هو ما دعاه لعقد مؤتمر صحفي، صباح أمس، كشف فيه عن مخاوف حقيقية من سقوط الاتحاد الأوربى فريسة الصراع بين روسيا وأمريكا، واعترف بأن إقصاء روسيا خطأ كبير وخطر أعظم، وهذا الإقصاء عن أوروبا سيدفع بها أعمق إلى أحضان الصين، وأن استمرار العقوبات ضدها لن يحقق الأمن الأوروبى الذي يحتاج لإعادة هيكلته وبناء منظومة أمنية أوروبية تعتمد على نفسها. وحذر من التدخل المعلوماتى الروسى المؤثر على الديمقراطيات الغربية، وحذر من قوى من داخل روسيا يهمها استمرار التوتر بين موسكو وأوروبا والغرب عموما. لم تكن روسيا والعقوبات عليها أبرز قضايا الخطأ والخطر فى قمة مجموعة السبع الكبار فقد حضرت إيران على الهامش بالفعل عبر وزير خارجيتها، بعد أن حصل جواد ظريف على موافقة ترامب للحضور والمتابعة، وكانت المفاجأة أن وساطة ماكرون أدت لاتفاق على لقاء بعد أسابيع بين ترامب وحسن روحانى للتفاوض.

النجاح الفرنسى في هذا الصدد لم يلبث أن مات خلال ساعات الليل وبمجرد طلوع شمس أمس الثلاثاء! فقد تعرض روحانى الذي كان وافق لضغوط عاتية من المرشد الأعلى على خامنئى؛ فألغى الموافقة، وأعلن صباح أمس أنه لا مفاوضات مع ترامب قبل رفع العقوبات!

الصورة الكلية للقمة نجاح محدود، فشل محدود، لكنها فى كل الأحوال قدمت للعالم نضج الرئيس الفرنسى وحكمة شاب تجاوز الأربعين، ورغبته فى تجديد حيوية القارة العجوز. بالقطع هو يفتقد قوة ألمانيا.

الاحضان الحارة بينه وبين ترامب ليست جديدة، والأبوية التى يمكن ملاحظتها بينه وبين ترامب سبقتها بالفعل أحضان أبوية مماثلة فى الحرارة، لكنها ليست دليلا على أن ترامب سوف يكف عن زجر ماكرون واتهامه أحيانا بالسذاجة!

المهم فى هذه القمة إدراك أوروبا أن أحادية القوة وإطلاق يد أمريكا في الهيمنة لا بد من مواجهتهما بإطلاق قوة أوروبا وإعادة بناء منظومتها الأمنية واجتذاب روسيا موازنة السطوة الأمريكية ومنع التحالف الوثيق بين موسكو وبكين.

إعلان