إعلان

شوية حاجات..

د. هشام عطية عبد المقصود

شوية حاجات..

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 02 أغسطس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مش حاتعرف أد إيه إنت بعيد عن توقيت الأيام غير لما اللي حواليك يمسكوك وأنت بتشوف فيلم قديم عاجبك جدا، وقاعد منسجم وبتضحك ومركز قوى، يقوم إيه العيال يبصولك بدهشة النظر للكائن المنقرض الذي عاد مرة أخرى، ويبصوا تاني للتليفزيون ويضحكوا، طبعا هما مش بيضحكوا على نفس المقاطع اللي بتضحكك ولكن انبهارا بضحكك على اللي شايفينه مايستاهلش الضحك وكده يعني.. تقوم برضو إيه تصر تماما على رأيك، وتملك يقينا غريبا بالاستكمال كنوع من التحدي ولا تحدي قفز السلالم والمواسير في فقرات التحدي اللي ماليه برامج المسابقات، ثم توظف ما لديك من وسائل إقناع خفية وظاهرة، وتقولهم بإلحاح، طب استنوا الحتة اللي جاية دي وشوفوا، حايستنوا مجاملة لك وكنوع خلينا نشوف أخرتها معاه إيه وهل يكون الانتظار ده مقدمة ناجحة لطلب كبير! طبعا حاتفهم ده من غير ما يقولوا وحاتستغل الفرصة، وتؤكد لهم وأنت بتضحك وتتفرج بصوا دي، ورغم كل ده مش حايجاملوك ويضحكوا على نفس الحاجات اللي بتضحكك من زمان ولسه بتعمل تأثيرها في دماغك اللي بيستجيب فورا لها كأنها بعضا منك.. حاجاتك يعني.

حايظهر اللاتيه والفرباتشينو والموكا وصويحباتهم والحاجات ذوات الكراميل والإضافات الأخرى ذات الطعم والنكهات، ومشروبات فيها فواكه صرفة ومشروبات تجمع بين الغازية والعصائر، كل ده شكلا ومظهرا ولونا مش حايخليك تتخلى عن عاداتك وطبعا وأنت سامع طلبات غريبة وأسماء تستحق الوقفة والتأمل مما تحمله من تنوع ولكنات، لن يحول البتة بأن تتوجه مباشرة نحو هدفك المعروف والمحدد سلفا في ذهنية التوجيه المبرمج عبر عقود لتطلب إما قهوة وغالبا سيكون الرد "مفيش في إسبريسو" فتطلب في تواضع الشاي، وربما تحرجا تساير الحداثة بالنسكافيه الذي توصي بأن يكون بلاك وده طبعا آخرك، ستتأثر قليلا وربما تحس بغربة ذلك أن كافيهات العالم تتغير وقوائم مشروباتها تطول حتى لتبلغ عدة صفحات في حين أنك كالثابت على الجمر وشوك الصبار تجول عليها بعينيك غير عابئ ولا ناظر سوي لحروف مشروبيك الساخنين الأثيرين وأحيانا من باب التغليس والتغيير تسأل في تردد تحاول سد فراغ تسكعه بثقة تتمثل في حروف كلام قوية جهورية "طيب هوا في برتقال فريش؟" وتنظر في عين من يأخذ الطلبات متحديا لتعود إلى الشاي طيبا قنوعا راضيا.

ستمتلئ تلك الكافيهات التي صارت باتساع الأمكنة وأينما تولي الوجه والطريق بالناس أكثرهم من الشباب الصغير غالبا، وستفرض الكافيهات المعاصرة نمطها المعولم على الجميع في ثقافة الحوار عالي الصوت والجلوس بشكل مريح وكنا بنشوفه أحيانا ما يصحش طبعا زمااااان قوي، ثم المشاهدة للشاشات المتناثرة تحمل الأغاني والنغمات التي يتحرك عبر إيقاعاتها مؤدون لا يسمعهم أحد لكنها من لزوم المكان، وقد تصادف أجهزة لاب توب متناثرة هنا أو هناك ولكن لن يكون في أكثر مناضدها كتابا واحدا حاضرا، مفيش مشكلة هكذا ستحدث نفسك وطبعا مش حاتاخد معاك كتاب لأنك كده حاتبقي عامل لنفسك زفة فرجة وبتتمنظر.

تفرض الجلسة تلك حكمة غير مدونة هي "اشرب بسرعة وقوم" يعني لا تشجع على مزيد من مكوث وإنما هي استراحة مشروب بين جولات في طوابق ومحلات المولات والشوارع، لا تتسع ربما لغير ذلك، لا تطيق هي بطبيعتها ولا تمنح خصائصها مكوثا مطولا يقتضي قدرا من هدوء وفسحة في الأماكن، بل إن بعضها من زحامها ستري البعض واقفا من بعيد ينتظر أن تخلو منضدة ليجلس فتشعر بتهديد خفي وكأن نظرات المنتظرين تسألك: أنت مش شربت خلاص طب قاعد ليه؟.

من الحاجات برضو أنك ستسأل أحيانا في عقلك وخيالك أيضا عندما تجلس إلى طعام أو حينما تتواجد الجبنة البيضاء في إفطار أو عشاء أين ذهب الجرجير ذو الأمثال الفصيحة كما كنا نسمعها في أحاديث الصباح والمساء القديمة، رفيق وجبات الزمان والضلع الثابت في كل طبق سلطة وطعام، رأيناه متواجدا عقودا واختفي من سنوات ضيفا أو حتي هامشا على متن الموائد والعزومات كأنه غريب ينتمي لعصر وأصل فقير يستتر بعدا أو يتم إخفاؤه أو إبعاده قصدا وبالنية، وحيث لا تليق به أصناف وأنواع المأكولات المتراصة متعددة الأسماء، وحيث لا يوجد موضع له في الموائد أو تكاد.

حاجات كتير بتاخد شكل اللي جاي وتمضي، ويظل الإنسان مصرا على ما أحب ولو أصروا أنه ليس زمان الوجد بالقديم، فلكل راحة فيما يطمئن به ويألفه ولكل طريقته في إدراك مبتغاه من عناصر وأشياء الحياة التي تجلب له ونسا، ببساطة هي شوية حاجات تخصك.

إعلان