إعلان

جوليان أسانج (1- 2) تحرير العالم بالمعرفة!

د. عبد الهادى محمد عبد الهادى

جوليان أسانج (1- 2) تحرير العالم بالمعرفة!

د. عبد الهادى محمد عبد الهادى

كاتب وأكاديمي مصري

09:00 م الأحد 23 يونيو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ولد جوليان أسانج في 3 يوليو عام 1971 في مدينة "تاونسفيل"، كوينزلاند، أستراليا، وعاش منذ ولادته حياة غير عادية وغير مستقرة، فقضى سنوات طفولته الأولى متنقلا بين المدن مع والدته "كريستين" وزوجها "بريت أسانج"، حيث كانا يعملان في تقديم العروض المسرحية المتنقلة.

بعدما انفصلت أمه عن زوجها، واصل حياة الترحال مع والدته الممثلة، وحمله الترحال الدائم على التنقل بين 37 مدرسة مختلفة خلال سنواته العشر الأولى، فلم يتوفر على مدرسة واحدة لأكثر من شهور قليلة، فكان تعليمه مزيجا من الدروس الخاصة والتعليم بالمراسلة، ولم يندرج في حلقات التعليم النظامي المعروفة، ويمكن القول- دون مجازفة- إن "البيت" و"الشارع" و"القطار" كانت مدارسه الأولى، لذلك أتصور أنه لم يحظَ بالوقت الكافي لصناعة أصدقاء حقيقيين.

وصفه زوج والدته بأنه كان طفلا "ذكيا وعنيدا، ومستعد- دائما- للقتال من أجل نصرة المستضعفين".

اكتشف جوليان شغفه بالكمبيوتر منذ الطفولة، وامتلك أول جهازٍ خاص به هدية من والدته في عيد ميلاده السادس عشر، ورزق بطفل من صديقته وهو في الثامنة عشرة، علم نفسه البرمجة، وطور قدراته في اختراق والتسلل إلى أنظمة وشبكات الكمبيوتر، وفي عام 1991 اتهمته السلطات الأسترالية بـ31 تهمة تتعلق بجرائم الإنترنت، منها اختراق شبكة شركة "نورتيل" للاتصالات وتعطيلها تماما لأيام، وتمكن- باستخدام اسم مستعار هو "منداكس"- من التسلل إلى عدد من الشبكات والأنظمة عالية التأمين، كوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ووكالة الفضاء الأمريكية "ناسا".

اعترف جوليان بأنه مذنب في كثير من التهم التي وجهت إليه، لكن القاضي تعاطف مع صغر سنه، واقتنع بأن "فضول الشباب" كان دافعه الوحيد، وحكم عليه بغرامة مالية صغيرة في مقابل الأضرار التي سببها.

بعدها سافر جوليان إلى "ملبورن" والتحق بالجامعة لدراسة الفيزياء والرياضيات، لكنه لم يستكمل دراسته، وانسحب قبل أن يحصل على درجة علمية، ليبدأ مسيرته المهنية كمبرمج ومطور برامج ومستشار في أمن الكمبيوتر. قال جوليان في وقت لاحق إنه ترك الجامعة لأسباب أخلاقية، اعتراضا على تسخير علوم الكمبيوتر للأغراض العسكرية وعلى عمل الطلاب في المشروعات التابعة للجيش الأسترالي.

في عام 2006 بدأ العمل- مع آخرين في تأسيس موقع أو منصة "ويكيليكس"، وهو موقع على الإنترنت يعمل كمركز لجمع ونشر وتبادل الوثائق السرية والحساسة، وتم إطلاق الموقع رسميًا من "السويد" في عام 2007 والسبب في اختيار السويد هو منظومة القوانين هناك والتي ظن أنها تفرض قيودا صارمة على احترام وحماية الخصوصية وعدم انتهاك هوية الأشخاص، ومن خلال ممارسة ما سماه هو "الصحافة العلمية" عمل على توفير وإتاحة المعلومات من مصادرها الأساسية، مع ممارسة الحد الأدنى من التحرير والتدخل في طريقة عرضها.

نشر أسانج عبر ويكيليكس وثائق سرية بالغة الخطورة عن حكومات وشركات ومنظمات دولية، وكان أول ما نشر على الموقع رسالة من أحد زعماء المتمردين في الصومال وهو يحث أتباعه على استئجار مسلحين لاغتيال المسئولين الحكوميين، وفي وقت لاحق، نشر معلومات مفصلة حول ما يجري في معتقل خليج جوانتانامو التابع للجيش الأمريكي، ثم نشر وثائق سرية من كنيسة "الساينتولوجى" ومراسلات البريد الإلكتروني الخاصة بجامعة "إيست أنجليا"، وكذلك قوائم العضوية وقائمة الممولين للحزب الوطني البريطاني.

وفي سبتمبر 2008 نشر رسائل البريد الإلكتروني لـ"سارة بالين" حاكمة ولاية "ألاسكا" عن الحزب الجمهوري- آنذاك- والتي رشحها "جون ماكين" مرشح الحزب للرئاسة نائبة له في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية التي كان مقررا إجراؤها عام 2012.

وفي عام 2010، نشرت ويكيليكس ما يقرب من نصف مليون وثيقة تتعلق بالحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان، ثم نشرت ما يقرب من 250 ألف برقيات دبلوماسية أمريكية سرية.

كانت هذه الوثائق السرية مؤرخة في الفترة بين عامي 2007 و2010، لكنها ضمت بعض الوثائق القديمة التي يعود تاريخها إلى عام 1966، ومن بين الموضوعات التي تناولتها تلك البرقيات الجهود التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية- من وراء الكواليس- لعزل إيران سياسيا واقتصاديا، في استجابة للمخاوف من تطوير إيران للأسلحة النووية، وحرصا على أن يظل توازن القوى في المنطقة في صالح "إسرائيل".

ومع أن كثيرا من هذه المعلومات التي نشرتها ويكيليكس كان بالفعل معروفا ومتاحا في نطاق الصحافة، انتقدت إدارة الرئيس "باراك أوباما" التسريبات، واعتبرتها تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، وأدانت حكومات دول صديقة نشر هذه الوثائق، وأصبح أسانج محطا لهجوم الكثير من حكومات دول العالم، وطالب بعض السياسيين الأمريكيين بملاحقته كإرهابي، كما طالبت "السويد" بمحاكمته بتهم تتعلق بالاعتداء الجنسي!

وفي أغسطس 2010 رفضت السلطات البريطانية طلبا سويديا للقبض عليه لعدم كفاية الأدلة، وفي نهاية العام، ألقي القبض عليه في لندن، واحتُجز في انتظار تسليمه المحتمل للسويد، لكن في النهاية أطلق سراحه بكفالة مالية.

وفي فبراير 2011، حكم قاضٍ بريطاني بتسليمه للسويد، فاستأنف محاموه الحكم، وبعد مداولات، قررت المحكمة إحالة القضية للمحكمة العليا للنظر فيها.

في مايو 2011، حصل أسانج على الميدالية الذهبية لمؤسسة سيدني للسلام، وذلك "لشجاعته الاستثنائية في السعي لحقوق الإنسان"، وهو تكريم سبق منحه لكل من "نيلسون مانديلا" والدالاي لاما، وحصل على دفعة مالية سخية- كمقدم لنشر سيرته الذاتية في كتاب- لكنه، وبعد أن أمضى خمسين ساعة من المقابلات مع المحررين، وبعد مراجعة مسودة الكتاب قرر سحب موافقته على النشر، لكن الناشر لم يلتفت إلى ملاحظاته، وصدرت سيرته الذاتية- على غير رغبته- في سبتمبر من نفس العام تحت عنوان "جوليان أسانج: السيرة الذاتية المجهولة أو غير المصرح بها".

وبينما كانت المحكمة العليا في بريطانيا تواصل النظر في مسألة تسليمه للسويد، عاش رهن الإقامة الجبرية في منزل أحد أنصار ويكيليكس في ريف "نورفولك"، خلال تلك الفترة سجل أسانج عددا من المقابلات التليفزيونية التي تم عرضها تحت اسم "العالم غدا"، وتضمنت الحلقات مقابلة مع زعيم "حزب الله"- حسن نصر الله- وتم عرض المقابلات على شبكة الإنترنت وعلى قناة "روسيا اليوم" التي تمولها الدولة الروسية.

وبعد سلسلة من الجلسات رفضت المحكمة العليا استئنافه، وأخلى سبيله بكفالة مع السماح له باستئناف حكم المحكمة العليا، وفي محاولة لتجنب تسليمه إلى السويد، والتي ستسلمه لاحقا للولايات المتحدة الأمريكية كما يؤكد هو- ذهب جوليان في يونيو 2012 إلى سفارة "الإكوادور" في لندن طلبا للجوء السياسي، وفى أغسطس من نفس العام، وافق رئيس الإكوادور السابق "رافائيل كوريا" على منحه حق اللجوء السياسي للإكوادور.

لماذا الإكوادور؟ ولماذا وفر له الرئيس السابق "رافائيل كوريا" الحماية؟ ولماذا سلمه الرئيس الحالي "لينين مورينو"؟ هذا ما سنتعرف عليه في الجزء الثاني...انتظرونا.

122

إعلان