إعلان

 «مجرد رأي».. عن الإحسان الحقيقي

الكاتب الصحفي الدكتور ياسر ثابت

«مجرد رأي».. عن الإحسان الحقيقي

د. ياسر ثابت
09:00 م الإثنين 06 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هذا كتابٌ عن الإحسان. والإحسَان فضيلةٌ عظيمةٌ وخُلقٌ مستحبٌّ، وذلك كنفع النَّاس بالمال والبدن والعِلْم، وغير ذلك مِن أنواع النَّفع. غنيٌ عن القول إن الله- عز وجل- أمر بالإحسَان إلى النَّاس عمومًا فقال: «وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً»، ومِن القول الحَسَن: أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم العِلْم، وبذل السَّلام، والبشاشة وغير ذلك مِن كلِّ كلام طيِّب.

من هنا يبدو كتاب «مجرد رأي» للمحامي البارز طارق جميل سعيد (نهضة مصر، 2019) بصفحاته البالغة 168 صفحة، معالجة ذكية لقضايا أخلاقية وسلوكية ملحة في مجتمعاتنا، التي باتت تعاني من اختلال في الرؤية واضطراب في السلوك انعكس بالسلب على علاقاتها الإنسانية وتعاملاتها المتبادلة وأخلاقياتها بشكلٍ عام.

ولمَّا كان الإنسان لا يسع النَّاس بماله، فقد أُمِر بأمرٍ يقدر به على الإحسَان إلى كلِّ مخلوق، وهو الإحسَان بالقول، فيكون في ضمن ذلك النَّهي عن الكلام القبيح للنَّاس.

الإحْسَان هنا هو فِعْل المأمور به سواءٌ كان إحسانًا إلى النَّاس أو إلى نفسه، فأعظم الإحسَان: الإيمان والتَّوحيد، والإنابة إلى الله، والإقبال عليه، والتَّوكل عليه، وأن يعبد الله كأنَّه يراه إجلالًا ومهابةً وحياءً ومحبةً وخشيةً، فهذا هو مقام الإحْسَان، كما قال النَّبيُّ، وقد سأله جبريل عن الإحْسَان، فقال: «أن تعبد الله كأنَّك تراه».

وأنت حين تقرأ كتاب «مجرد رأي» تجد في نفسك تلك الطمأنينة التي تصاحب مطالعة الكلمات البسيطة الرصينة الواردة في كتب الحكمة والموعظة الحسنة في مختلف العقائد والمذاهب الدينية والفلسفية. ذلك أن طارق جميل سعيد حرص على عدم التكلف والادعاء، واختار أن يلامس القلوب والعقول بلغة الصدق التي لا تخطئ بوصلتها.

ولعل ما أورده طارق جميل سعيد في كتابه يُذكِّرك بما قاله ابن القيِّم: وقوله تعالى: «إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين» [الأعراف:56]، فيه تنبيه ظاهر على أنَّ فعل هذا المأمور به هو الإحْسَان المطلوب منكم، ومطلوبكم أنتم مِن الله هو رحمته، ورحمته قريبٌ مِن المحسنين الذين فعلوا ما أُمِروا به مِن دعائه خوفًا وطمعًا، فَقَرُب مطلوبكم منكم، وهو الرَّحمة بحسب أدائكم لمطلوبة منكم، وهو الإحْسَان الذي هو في الحقيقة إحسان إلى أنفسكم؛ فإنَّ الله- تعالى- هو الغنيُّ الحميد، وإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم».

في تقديرنا أنه يمكن تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام: الأخلاق والمعاملات، المجتمع، والمشاعر الإنسانية.

في قسم الأخلاق، وهو الاتجاه الأكثر وضوحـًا في الكتاب، يمكننا رصد جُملٍ وعبارات دالة لها وقعها الخاص والراقي في النفوس، ومنها- على سبيل المثال لا الحصر- قوله:

«الكذب هو المقدمة في كتاب فساد الأخلاق».

«الصمت عند الغضب أبلغ من سوء الحديث».

«من امتلأ عقله وقلبه بالظنون عاش محزونـًا مهمومـًا. أما من حسنت نواياه وامتلأ بالرضا فستفتح له أبواب الرزق».

«أشفق على من مات في عين المجتمع، وهو على قيد الحياة».

«الموت ليس بالخسارة الحقيقية.. الخسارة الحقيقية هي ما يموت فينا ونحن أحياء».

«لم أجد للسفيه بضاعة أكثر من خوضه في أعراض الناس؛ لأن فحش القول وبذاءة اللسان هما دستور السفيه ودينه».

«لم أجد أسوأ من اجتماع الحاقد والأحمق والغبي. فالأول يؤلف الكلام المسيء والثاني ينشره والثالث يصدقه، فكم من حاقد وأحمق وغبي في حياة كلٍ منا؟ سؤال يحتاج إلى إجابة».

«عامِل نفسك معاملة الملوك ينحنِ لك الجميع.. فإن الناس يعاملونك بالقدر الذي ترى به نفسك».

«اليأس مقبرة النجاح».

«لا تبكِ على ماضٍ ضاع.. ولا تغضب على رزقٍ فات.. ولا تجزع لمستقبلٍ آت.. واعلم أن كل عسير هو بالتوكل على الله يسير.. وإذا عصاك الدهر يومـًا فلا تيأس أبدًا».

«أشفق على من تحمله ساقاه إلى طريق الانتقام لأنه سيكتشف عند منتهى الطريق أن الانتقام الكامل يكمن في التسامح، وأن خصمه أبدع معه القدر ودار به الزمان».

«لا تصنع ذكرياتك إلا مع إنسان خلوق أو شريف، فالخلوق يكتم سرك والشريف ينساه».

«تذكر دائمًا راحة البال آتية لا محالة فلا تيأس مهما صعبت عليك الأمور، واعلم أن الذي تسجد له الجباه حتمـًا لا يكلف نفسـًا إلا وسعها».

وحين نأتي إلى المجتمع، نجد الكاتب يشير بذكاء إلى أوجه العلة، فيُشخِّص الداء قبل وصف الدواء؛ إذ يقول:

«أيها السادة، متى نتوقف عن إسناد الألقاب إلى غير أهلها ونتسبب في خلطٍ كبير جراء ذلك؟ فنحن وبلا فخر الشعب الوحيد في العالم الذي يطلق على الكهربائي لقب (باشمهندس) وعلى الدليفري (طيار)!».

«هناك أناس يجب أن تنصحهم بزيارة طبيب تجميل داخلي، وذلك لإجراء عملية إزالة حقد وكره وشفط غل أسود وتركيب قلب وتضخيم رحمة وأدب».

وأخيرًا، يأتي الحُب والمشاعر الإنسانية كقسمٍ ثالث، ومن ذلك ما يورده الكاتب كالتالي:

«لا تجعل نفسك الأمارة بالسوء تنهي تاريخ صلاحيتك في قلب من تحب».

«الرجولة ليست إصدار قرارات ديكتاتورية أو فرضـًا للرأي أو للسيطرة، وليس فقط أن تكون مسؤولًا عن قراراتك. الرجولة: تفهُم.. مسؤولية.. احتواء. تلك ثقافة العقلاء».

نحسب أن هذا الكتاب من النوع الذي يسهل قراءته والتفكر في مضمونه والاقتناع بمحتواه، وهو ما يدفعنا إلى ترشيحه لمن يودون فهم معنى الإحسان بترجمةٍ عملية وواقعية.

إعلان