إعلان

عن روح العمل الجماعي في "رؤى" و"الإسماعيلية"

د. أمل الجمل

عن روح العمل الجماعي في "رؤى" و"الإسماعيلية"

د. أمل الجمل
09:00 م الأحد 21 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أعترف أنني لست من المتحمسين للمشاركة في العمل الجماعي بمصر؛ لأسباب عديدة أهمها، أن بعض الشخصيات لا تعمل وتتواكل على جهود غيرها، ثم في النهاية تُشارك في حصاد النجاح والنتائج، ولا تتورع في أن تسرق جهود الغير، وتنسب الفضل في النجاح لنفسها. وآخرون قد يساعدونهم في ذلك.

كان ذلك واضحاً لي خلال عملي في البحوث والدراسات منذ فترة دراستي بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ثم تأكد أثناء عملي في إعداد البرامج التليفزيونية في بداية حياتي ثم لاحقاً في كتابة سكريبت الحلقات التسجيلية أو حتى البرامجية.

سبب آخر لنفوري من العمل الجماعي أن البعض قد يعمل - عمدًا أو سهواً أو بسبب أسلوب حياته وتركيبته الشخصية - على تدمير جهودك وإفشال خططك إزاء أي عمل أو مشروع.

العمل الجماعي لكي ينجح لا بد أن يتمتع المشاركون فيه بروح الفريق، كأنهم عقل واحد، يد واحد وقلب واحد. لا بد أن يشعروا أن العمل يخصهم جميعاً، وأن نجاحه سيعود عليهم جميعاً دون استثناء.

هذا عادة ما يحدث في الخارج، وهذا أمر ضروري في مجال السينما وصناعة الأفلام وتنظيم المهرجانات، وأتذكر كلمات للمخرج إبراهيم البطوط في مناسبات مختلفة، وكذلك باسل رمسيس في دورة للفيلم الوثائقي قليل التكلفة عام ٢٠٠٥ نظمتها السفارة الإسبانية في مصر وكنت حضرتها وشاركت فيها على مدار أسبوع.

كل منهما كان يُؤكد أنه من الضروري أن يكون هناك مساعدون متطوعون، ومتدربون يشاركون في الأفلام المستقلة قليلة التكلفة، أنه من الضروري أن يشعروا بأن هذا العمل يخصهم "بتاعهم" حتى يعملوا فيه بقلب وروح حماسية.

والحقيقة هذه الروح شعرت بها متواجدة خلال تجربة الدورة الأخيرة بمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة الحادي والعشرين الممتدة من١٠–١٦ أبريل الجاري.

أستعيد ذلك بمناسبة حوار دار بيني وبين أحد الأصدقاء تعليقاً على جهود الشباب والروح الجماعية لفريق العمل وحماس المتطوعين الذين أشاد بهم الكثير من الحضور، بل جميع الحضور سواء المصريين أو الأجانب، الصحفيين والنقاد والمبدعين.

ومهما انتقد بعض الزملاء من الصحفيين العرب تنظيم المهرجان، أو أشاروا إلى سلبيات فيه - بينما لم يحضروا سوى يومين فقط ولا يشاركون في كامل فعالياته - فلا يمكن إنكار أن كل هذا النجاح الذي تردد صداه فيما يخص تلك الدورة تحقق في ظل دور إيجابي فاعل للقيادات خصوصا في ظل وزيرة للثقافة - إيناس عبدالدايم - مهما أخذنا عليها من تحفظات أو اختلفنا معها بشأن بعض المواقف، لكنها في النهاية وزيرة فنانة تحاول العمل على تسيير كثير من الأمور بشكل مغاير ومفيد وإيجابي، وكذلك الدكتور خالد عبدالجليل رئيس المركز القومي للسينما "الجهة المنظمة للمهرجان" والذي لولا وجوده وجهوده، وروحه الحماسية المشجعة المؤمنة بالأفكار وبالنجاح لما استطاع عصام زكريا تنفيذ خططه وتحقيق حلمه.

الحقيقة أن جهود عصام زكريا كان يُمكن لها ببساطة أن تذهب هباء، وتذروها الرياح لو كان فريق العمل بينهم شخصيات مُقصرة أو متكاسلة، أو لو كانت القيادة شخصية مختلفة معقدة متسلطة. لكن الواضح أن رؤية د. خالد عبدالجليل وإصراره على فصل رئاسة المهرجان عن رئاسة المركز، وكذلك الإصرار على وجود هيكل تنظيمي منفصل بفريق عمل كونه عبدالجليل على مدار سنوات ساهم بشكل واضح في إنجاح الدورة وفي تحقيق خطة وأفكار زكريا.

وقد رأيت رئيس المركز طوال الأيام التي حضرت فيها فعاليات المهرجان لا يترك ندوة إلا ويحضرها، ويشارك فيها ويتقبل النقد السلبي بأريحية وابتسام، ويحاول في بعض المرات تقديم ردود وإجابات وتوضيحات دون أن يتخذ موقفاً عدائيا من صاحب النقد، حتى عندما انتقدت كاتبة هذه السطور عدم الإقبال الجماهيري على العروض السينمائية وطرحت سؤالها على المبدع يسري نصرالله -أثناء مؤتمر لجنة التحكيم مع النقاد والصحفيين- عن رأيه في تلك الظاهرة وكيفية استقطاب المشاهدين لصالات العرض، رغم ذلك لم يغضب عبدالجليل وشارك في النقاش بهدوء وكذلك دافع عدد من السينمائيين العالميين بأن الأمر لا يقتصر على الإسماعيلية أو مصر، ولكنه ظاهرة عالمية تحتاج جهودًا عديدة لتجاوزها.

رؤى

التجربة الثانية المثيرة للتفاؤل في مجال العمل الجماعي هي تجربة "رؤى" لمهرجان القاهرة للفيلم المصري القصير، والتي ترأسها الدكتور مالك خوري، ففي حوار لي معه عندما سألته عن التجربة الأولى وسلبياتها، لم يتضايق وتحدث عنها بوضوح وبصيرة مَنْ وضع يده على مكمن الضعف والإشكال، مؤكداً أنه وفريق عمله يحاولون تفادي ذلك في الدورة الجديدة لذلك "تم اختيار المخرجة عرب لطفي هذه السنة كي ترأس الإدارة الفنية للمهرجان، فعرب لطفي لها باع طويل في الثقافة السينمائية في مصر، وهي لها دور أساسي في الكثير من التطوير الذي ترونه يترجم على أرض واقع المهرجان لهذا العام".

وعندما سألته: لماذا وكيف وقع الاختيار على المخرجة عرب لطفي؟ وهل كان من السهل التنسيق والتعاون بينك وبينها، خصوصا أن كل منهما له شخصيته القيادية التي تمتلك رؤيتها الخاصة؟ فأجابني: "عرب من الشخصيات المنغمسة عميقا في الجو السينمائي المصري منذ عقود، كما أن لها علاقات واسعة مع أوساط السينمائيين الجدد والشباب وذلك بحكم طبيعة اهتماماتها الفنية والسياسية والأكاديمية.

وعرب تتمتع بثقافة سينمائية وفنية غزيرة ومركبة.

كل هذا يجعلها برأيي خيارًا مثاليًا لقيادة المهرجان فنيًا في هذه المرحلة التأسيسية وكذلك في المستقبل.

والتنسيق بيننا ناجح جدًا، نختلف ونتكلم ونتوافق لكن بالنهاية نفهم جيدا بعضنا البعض... ولا تنسى أنني وعرب ترعرعنا في طفولتنا في نفس المدينة اللبنانية صيدا وكانت العائلتان قريبتين جدًا لبعضهما البعض".

شخصياً بعد حواري مع د. مالك خوري -الذي أسعدني برؤيته وأفكاره- لم أندهش من الإقبال الجماهيري على عروض أفلام المهرجان الذي نظموه، والذي تصادف أن يُقام -في الفترة الممتدة بين ١١-١٧ أبريل- أي تقريباً أثناء نفس فترة فعاليات مهرجان الإسماعيلية، ومع ذلك حضر "رؤى" ما يزيد على ألفي متفرج رغم أنه مهرجان للأفلام المهمشة والتي لا تحظى باعتراف في المجتمع، ولا بشرعية العرض في دور السينما.

وقد وصلتني رسالة من المهرجان تُؤكد أنه تردد على المهرجان ما يزيد على الألفي شخص، فشارك في المهرجان ٧١ فيلمًا، وكان معدل نسبة حضور الجمهور خلال عرض كل من الـ١٢ مجموعة من الأفلام المشاركة حوالي ١١٠ مشاهدين، أي بفارق واسع وواضح عما يحدث خلال عرض نفس نوع الأفلام في المهرجانات السينمائية المصرية الأخرى. وهذا نموذج آخر مُثير للأمل والتفاؤل ليس فقط بشأن العمل الجماعي، ولكن فيما يخص الفيلم القصير وعروضه ونظرة الجمهور إليه في مصر، فتحية تقدير لمنظميه، الذين لم تشغلهم الأضواء، الذين يعملون خارج الصندوق ويبحثون عن الجديد وينصفون الهامشي.

إعلان