إعلان

صراعات السياسة ومباريات الكرة

د. جمال عبد الجواد

صراعات السياسة ومباريات الكرة

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 12 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أخيرًا نجحت القوى المدنية في السودان والجزائر، وأحرزت هدفًا في مرمى الحكم الاستبدادي. لا شيء يشبه الصراع ضد نظم الاستبداد بقدر ما تشبهها مباريات كرة القدم. هناك رياضات يتوالى فيها تسجيل الأهداف طوال الوقت، مثل كرة السلة وكرة اليد. وهناك رياضات يتنافس فيها اللاعبون للفوز بأكبر عدد من الأشواط، كلما انتهى شوط بدأوا شوطاً جديدًا مثل التنس والكرة الطائرة. فقط في كرة القدم يسجل اللاعبون عددًا قليلًا جدًا من الأهداف، وهذا هو كل ما يحتاجونه للفوز بالمباراة، وهذا هو وجه الشبه بين مباريات الكرة والكفاح ضد نظم الاستبداد.

في مباريات كرة القدم يجاهد الفريق طوال التسعين دقيقة لتسجيل أهداف قليلة في مرمى الخصم، دون أن يعرف أحد متى سيتم تسجيل الهدف، أو ما إذا كان سيتم تسجيل أي هدف أصلا؛ بالضبط كما يحدث في الصراع ضد النظم التسلطية، حيث يواصل المعارضون شن الهجمات على النظام بلا كلل، دون أن يكون لديهم أي سبب للاعتقاد بأن أيًا من تلك الهجمات سينجح في تسجيل الهدف. القاعدة الذهبية في كرة القدم، كما في السياسة، هي شن أكبر عدد ممكن من الهجمات، فكلما زاد عدد الهجمات زادت فرصة تسجيل الأهداف.

نتيجة المباراة لا تتحدد بعدد الهجمات، ولكن فقط بعدد الأهداف التي يسجلها كل فريق؛ فإذا كان الفريق الأكثر هجومًا هو عادة الأقرب لتحقيق الفوز، فإن الفريق الخصم قد يستطيع في هجمة واحدة مرتدة، أو في ضربة حظ أن يسجل هدفًا، ويفوز بالمباراة.

كرة القدم هي لعبة مثيرة للإحباط، وهو نفس الأثر الذي تتركه السياسة في كثيرٍ من الأحيان. فقد تشاهد مباراة كرة القدم لمدة تسعين دقيقة لا يتم خلالها تسجيل هدف واحد، فتغادر قبل صافرة الحكم النهائية، ليسجل لاعبك المفضل هدفًا في هذه اللحظة بالذات؛ أو أنك قد لا تغادر مقعدك إلا للحظات قليلة تحتاجها لقضاء حاجتك، لتعود فتجد الهدف الوحيد في المباراة قد تم تسجيله، لتشعر أن التسعين دقيقة جميعها ضاعت سدى لأنك لم تكن هناك لحظة تسجيل الهدف.

كرة القدم لعبة مملة رتيبة في أغلب الأوقات. دعك من مباريات الكرة الفاخرة التي تلعبها فرق قليلة في بعض الدوريات الأوروبية، والتي تصل فيها المتعة إلى مستوى نادر. ففي أغلب مباريات الكرة التي تقام حول العالم فإن الرتابة والملل هي القاعدة. فالهجوم يتم بتطبيق ثلاث خطط محفوظة: الهجوم من الأجناب، الاختراق في العمق، أو التصويب من بعيد. يظل الفريق يجرب حظه مع هذه التكتيكات الثلاثة بطريقة مملة، حتى تنجح إحدى المحاولات في تسجيل الهدف، ومعها تأتي فرحة الانتصار. شيء من هذا يحدث في عملية الكفاح ضد النظم التسلطية. فالمعارضة لا تكف عن مهاجمة النظام الحاكم بأساليب ثلاثة معروفة: حقوق الإنسان، الفساد، العدالة الاجتماعية. ولأن هجمات المعارضة تذهب أدراج الرياح في أغلب الأوقات، تمامًا مثل أغلب هجمات فرق الكرة؛ فإن الصراع ضد الاستبداد يبدو مملاً ومكررًا، حتى تأتي اللحظة التي تنجح فيها إحدى الهجمات في إحراز الهدف.

المهاجمون من اللاعبين هم الأقرب لتسجيل الأهداف. لكن في المباريات الحاسمة يستميت الدفاع لمنع مهاجمي الخصم من التسجيل، ويعجز المهاجمون عن الهروب من الرقابة اللصيقة، فتتعلق الآمال باللاعب غير المراقب القادم من الخلف، والذي يباغت الجميع بتسجيل الهدف، والفوز بالمباراة لفريقه ولنفسه أيضًا، إذ يخرج من المباراة بطلاً محمولاً على الأعناق، بعد أن أتى بالنصر لفريقه، وأنقذه من هزيمة مؤكدة. شيء من هذا يحدث في صراعات السياسة عندما يتصدر المشهد في النهاية لاعبٌ كان مغمورًا في بداية المباراة. وهذه كانت بعض القواعد المفيدة لفهم مسارات الصراع السياسي الجاري الآن لدى الأشقاء في الجزائر والسودان.

إعلان