إعلان

العكس يا سيادة الرئيس..!

سليمان جودة

العكس يا سيادة الرئيس..!

سليمان جودة
09:00 م الأحد 17 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وجهة النظر التي تتبناها الدولة، هذه الأيام، في ملف حرية الإعلام تحتاج مراجعة سريعة من جانب الدولة نفسها؛ لأن الإعلام الحر هو سند الدولة الحقيقي في كل معاركها، ولأنه هو وحده القادر على أن يضيء الطريق أمامها إلى غاياتها الأخيرة!

وإذا كانت الدولة تتصور أن اعتماد هامش ضيق من الحرية في تناول مختلف القضايا يحافظ على الاستقرار، ويضمنه، فهي مدعوة إلى أن تعود بالذاكرة ثمانية أعوام إلى الوراء، وسوف ترى حين تعود بذاكرتها إلى هناك أن عكس ما تتصوره هو الصحيح!

كيف؟!

نذكر جميعاً ما حدث في انتخابات برلمان ٢٠١٠، وكيف أن الحزب الوطني الحاكم وقتها قد استحوذ على ٩٧٪‏ من مقاعد مجلس الشعب.

ونذكر، بالتأكيد، أن المعارضة الوطنية وجدت نفسها خارج ذلك البرلمان، وأن الرئيس مبارك لما سمع بأن الذين وجدوا أنفسهم على رصيف المجلس يفكرون في تشكيل ما يسمى بالبرلمان الموازي سخر منهم في خطاب شهير، وأطلق عبارته الشهيرة: "خليهم يتسلوا"!

ولم تكن المشكلة، وقتها، في مجرد استحواذ الحزب الوطني على جميع مقاعد المجلس تقريباً، ولكن المشكلة الحقيقية كانت في إحساسٍ راحَ يتسرب لدى الناس في غالبيتهم، بانغلاق الأفق العام، وكانت المشكلة أيضاً في إحساسٍ آخر بأن الدولة لا ترحب بالرأي الآخر، ولا تريده، ولا تحب أن تسمعه!

وكانت عبارة مبارك التي أطلقها ساخراً دليلًا قويًا على ضيق الدولة بالذين يملكون رأياً غير رأيها، ويعتقدون في وجهة نظر لا تتفق مع وجهة نظرها!

وكانت انتخابات البرلمان قد جرت في أكتوبر من ذلك العام، وبالتالي فلقد كانت المسافة الزمنية بينها وبين ٢٥ يناير ٢٠١١ لا تتجاوز الأشهر الثلاثة.

وإذا كان كثيرون يختلفون حتى هذه اللحظة على أسباب ما جرى في ذلك اليوم، فهناك اتفاق أو ما يشبه الاتفاق على أن خروج برلمان ٢٠١٠ بالصورة التي خرج عليها كان في مقدمة الأسباب، وأن الإحساس بانغلاق الأفق العام قد ساعد في الوصول إلى ما جرى!

ولا أحد، بالتأكيد، يريد العودة إلى تلك الأجواء الرديئة.. أجواء ٢٥ يناير وما قبلها بقليل.

فلقد ألحق بالبلاد الكثير من الضرر والأذى، ولا تزال بقايا الضرر والأذى ماثلة حية أمام أعيننا.. والمؤكد أن كل صوت عاقل في هذا البلد يريد له الاستقرار، ويرفض كل ما يهدد استقراره، ويتمسك بضرورة أن يتمكن نظام الحكم الحالي من تحقيق ما يسعى إلى تحقيقه في حياة كل مواطن!

وإذا كانت الدولة، بالتالي، تعتقد في أن حرية الإعلام في أيام مبارك هي التي قادت إلى ٢٥ يناير، فالعكس هو الصحيح، وإلا ما كانت أجواء ٢٥ يناير قد اقترنت من حيث مقدماتها، بالإحساس بانغلاق الأفق أمام الناس؛ ففتح النوافذ أمام الهواء الطلق يحصن الجسم ضد كل بدايات المرض.. وكذلك فتح المجال أمام كل رأي مختلف، ما دام صاحب هذا الرأي لا يعتقد في عنف، ولا يحرّض عليه!

إن الرئيس السيسي ذكر أكثر من مرة، في أكثر من مناسبة أنه لن يسمح بتكرار ما حدث في ٢٥ يناير.. وكل وطني يشارك الرئيس في هذه الرغبة لديه؛ فالبلد لا يحتمل أبداً ٢٥ يناير أخرى.

غير أنه من المهم أن تلتفت الدولة إلى أن سماح نظام مبارك بهامش معقول من الحرية هو الذي أبقاه في الحكم ٣٠ سنة، وأن إغلاق هذا الهامش في برلمان ٢٠١٠ هو الذي كان طريقا إلى ما جرى!

الحرية، يا سيادة الرئيس، هي التي تمنح البلد مناعة ضد كل شىء سيء، وهي التي تحفظ استقراره، وتضمنه.

الحرية، يا سيادة الرئيس، وليس العكس.. وأجواء برلمان ٢٠١٠ وما جاء فيما بعدها يظل أقوى دليل.

وعندما أتحدث عن الحرية، فإنني أتحدث، على وجه التحديد، عن الحرية المسؤولة التي تضع حدًا فاصلًا بينها وبين الفوضى.

إعلان