إعلان

متطلبات تحقيق كفاءة الإنفاق العام

د. غادة موسى

متطلبات تحقيق كفاءة الإنفاق العام

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 09 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مع زيادة توقعات المواطنين من الحكومة، ومع انتشار المبادرات والأفكار المقدمة من الخبراء والمستشارين والمواطنين المهتمين بالشأن العام، ومع ارتفاع عمليات الضبط لمخالفات فساد تصل إلى ملايين الجنيهات، يصبح للتساؤل عن الإنفاق العام لموارد الدولة المالية وكفاءته وجاهته وإلحاحه.

لأن أول تساؤل سيتبادر إلى الذهن هو لماذا- مع كل الأصول والثروات والإيرادات- نلحظ تأخراً وتعثراً في الاهتمام بالخدمات الرئيسية المقدمة للمواطنين؟

بادئ ذي بدء يُعرف الإنفاق العام في مفهومه البسيط بأنه الأموال التي تنفقها الحكومة على المشاريع التنموية والصحة والتعليم والدفاع والأمن والبنية التحتية والصيانة وحفظ القانون. ويلاحظ من موضوعات الإنفاق أن هذه هي المهام الاساسية للدولة في أي مكان في العالم مع تباينات تتعلق بدرجة تدخل الحكومة من نظام سياسي لآخر في تخطيط وتنظيم وتنفيذ الخدمات السابقة. كما يلاحظ أن موضوعات الإنفاق مترابطة، حيث لا يمكن إحداث مفاضلة بين أي منها. بالإنفاق على الدفاع والامن مرتبط بغاية حفظ وإنفاذ القانون، كما أن الإنفاق على المشاريع التنموية لا يمكن أن يخلو من العناية بالإنفاق على الصحة والتعليم والبنية التحتية والصيانة. أي أن التعامل مع موضوعات الإنفاق العام كجسد واحد وليس كموضوعات منفصلة خاصة بكل جهة على حدة. وهذا هو إذن يصبح أول مطلب لتحقيق كفاءة الإنفاق العام هو تخطيط الإنفاق العام.

ومما لاشك فيه أن تخطيط الإنفاق العام مرتبط بوجود خطط للتنمية مدروسة وفق احتياجات السكان والعمران والإنتاج والاستثمار. ومن ثم لا يمكن أن يثمر تخطيط مشروعات التنمية عن نتيجة حقيقية ملموسة مستدامة بدون أخذ احتياجات ومطالب المواطنين بعين الاعتبار. ومن ثم يصبح المطلب الثاني لكفاءة الإنفاق العام هو تضمين مطالب المواطنين ومشاركتهم في وضع الخطط وتحديد الاحتياجات، أو ما يطلق عليه التخطيط بالمشاركة.

كما يُلاحظ ارتفاع الشكوى من تكرار الإنفاق العام على بعض الخدمات دون احداث تقدم او تطوير فيها. لذلك كانت من أهم موضوعات كفاءة الإنفاق العام هي الصيانة. وهو موضوع لا يلقى الاهتمام الكافي في التخطيط لكفاءة الاتفاق العام. والصيانة لابد أن تتم وفق معايير واضحة ومستندة لأسس علمية، وهو ما يُطلق عليه " الجودة". وهي معايير يعمل وفقاً لها كل دول العالم المتقدم التي نسعى ان نكون من بينها. والجودة هي بلوغ الشيء درجة من النوعية الجيدة ويكون ضمن قيمة الشيء، وذلك وفق معايير وخصائص. ومن بين الموضوعات التي تلفت نظر المواطن العادي في معرض الحديث عن جودة الإنفاق على البنية التحتية والصيانة هي جودة الطرق. وجودة الطرق من أهم متطلبات الأمن والسلامة والعمران والتنمية وحفز التجارة والاستثمار. وصيانة الطرق وفق معايير الجودة يحقق كفاءة في الإنفاق العام على البنية التحتية من جهة، ويحدث وفورات في الإنفاق على تشييد طرق أخرى في إطار خطط التنمية والتعمير في مناطق محرومة. وعليه تصبح الجودة مطلبا رئيسيا في تحقيق كفاءة الإنفاق العام. ومعايير الجودة متوافرة ومعلومة وتشكل أساساً لمراقبة الأداء والتشغيل ونوعية الخدمات المقدمة.

وفيما يتعلق بالمطلب الرابع لتحقيق كفاءة الإنفاق العام، فتعتبر الشفافية والإفصاح من أهم تلك المتطلبات. وقد كان إصدار وزارة المالية عام ٢٠٠٩ لموازنة المواطن تأثير بالغ الأهمية في تعريف المواطن بالموازنة العامة للدولة وأبوابها، ثم تبسيطها ومتابعة نشر موازنات الدولة حتى الوقت الحالي. ولكن، لا يجب أن يقف الأمر عند هذا الحد، حيث لا تتاح خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للخبراء والمعنيين والمواطنين لمراجعتها وتطويرها، فتأتي إما موغلة في التنظير أو مبتسرة أو مفرطة في التفاؤل بالنظر إلى المتطلبات السابقة. فمن الأهمية بمكان أن تتاح الخطط التنموية وتنشر بوقت كافٍ على مواقع الوزارات والهيئات والجهات ذات الصلة بها، وبالمثل من الأهمية بمكان أن تنشر الوزارات والهيئات والجهات الحكومية موازناتها وإيراداتها ونفقاته حتى يمكن مراقبة الإنفاق العام من جانب، وضبطه وترشيده وتوجيهه نحو الأولويات من جانب آخر.

وإذا كانت كفاءة الإنفاق العام لا تتم فقط على المستوى الحكومة المركزية، وإنما تتم أيضاً على مستوى المحافظات في إطار التحول نحو اللامركزية الإدارية والاقتصادية والمالية، فإن مراعاة متطلبات اللامركزية والاستقلال النسبي للمحافظات في تحديد أولويات الإنفاق العام لديها في ضوء التوجهات التنموية العامة للدولة تصبح أمراً ملحاً. وفي هذا السياق لابد ان تقوم مكاتب المحافظين بنشر وإتاحة الخطط التنموية لمحافظات هذا والموازنات المطلوبة بناء على تفاعل ومشاركة من المواطنين والخبرات المحلية ونواب البرلمان تفادياً لتكرار الإنفاق على موضوعات بعينها وتجنباً لتهميش بعض المدن والمراكز والقرى من الإنفاق على احتياجاتها التنموية من مستشفيات ومدارس وطرق ومياه وصرف صحي، وتحقيقاً لاستدامة الخطط التنموية.

وقد يتساءل القارئ عن موقع الموارد المالية نفسها من كفاءة الإنفاق العام على المشروعات التنموية على اتساعها. ولا أود أن أتسبب في خذلانه عندما أؤكد أن الوفورات المالية على أهميتها لا تعتبر العقبة الكؤود مقارنة بالمتطلبات السابقة لتحقيق كفاءة الإنفاق العام من التخطيط والتضمين والمشاركة والجودة والشفافية واللامركزية. إذ بتحقق المتطلبات السابقة تتوافر الموارد المالية لتحقيق إنفاق عام حقيقي من جهة، وتتحقق المتطلبات اللازمة لجذب استثمارات محلية وأجنبية لاستكمال تلك الخطط. وتحدثنا خبرات دول مثل اليابان وسنغافورة وشيلي ورواندا وغانا بإمكانية تحقق ذلك بتوافر الشروط والمتطلبات السابقة.

إعلان