إعلان

لميس الحديدي تكتب: ماذا نريد من الأوروبيين؟

لميس الحديدي

لميس الحديدي تكتب: ماذا نريد من الأوروبيين؟

لميس الحديدي
11:08 ص الإثنين 25 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تحتضن مدينة شرم الشيخ هذه الأيام أول قمة عربية أوروبية على مستوى الرؤساء والقادة، حيث يشارك خمسون من القادة العرب والأوروبيين في أول حوار من نوعه حول قضايا التعاون بين المنطقتين اللتين تمثلان ١٢٪‏ من سكان العالم، وجزء غير يسير من مشكلاته أيضا. فهل نعرف نحن كعرب ماذا نريد من الأوروبيين؟ وهل لنا أجندة واضحة نسعى لتحقيقها أو على الأقل تحقيق جزء منها؟

الأجندة المتفق عليها في المؤتمر- طبقًا لأوراقه الرسمية وتحت عنوان الاستثمار في الاستقرار- تتناول سبل دفع التعاون المشترك في قضايا الهجرة، اللاجئين، مواجهة الإرهاب ودعم التعاون الاقتصادي. كما سيناقش الحاضرون أيضا نزاعات المنطقة العربية الملتهبة مثل سوريا، ليبيا، اليمن والقضية الفلسطينية. أجندة تبدو من مجرد قراءتها ضخمة جدا على نقاش لن يستغرق إلا يوما ونصف اليوم- تنتهي مساء يوم الاثنين- بل -وهو الأصعب- أنها مدججة بالخلافات، ليس فقط بين العرب والأوروبيين، ولكن بين العرب أنفسهم .

عنوان المؤتمر نفسه "الاستثمار في الاستقرار" هو عنوان جدلي وخلافي بين المنطقتين. فمفهوم الاستقرار لدى الدول العربية يختلف كثيرًا عن مفهومه الأوروبي. بل إن المفهوم الأوروبي نفسه قد تغير من ٢٠١١ وحتى الآن. فبعد أن كانت أوروبا تسعى -مع واشنطن- لدعم تغيير الأنظمة "الدكتاتورية" التي كانت تصدر لهم الإرهاب وتستبدلها بتيارات إسلامية معتدلة لتحقق الاستقرار في المنطقة (كما كانت النظرية)، وجدت أن ذلك التغيير قد أفرز إرهابًا أشد وطأه، ونزاعات مسلحة مزقت المنطقة وخلفت ملايين اللاجئين وكارثة هجرة غير شرعية اجتاحت بلادهم ولا يمكنهم السيطرة عليها. فهل هناك اتفاق إذًا بين الجانبين على أي استقرار نتحدث عنه؟

كما أن أوروبا- وهي تحاول أن تبقي فاعلة في المشهد الدولي والإقليمي وسط تزايد نفوذ الصين وروسيا- تأتي إلي شرم الشيخ وهي ليست في أفضل حالاتها. فخروج بريطانيا وما يحيط بها من مشكلات هزت لحمة الاتحاد الأوروبي وأصابت القارة العجوز في مقتل. وينتظر كثيرون نتائج مفاوضات تجريها رئيسة الوزراء في شرم الشيخ على هامش المؤتمر مع قادة الاتحاد الأوروبي للحصول على شروط أفضل للبريكست قبيل أسابيع قليلة من موعد الخروج الرسمي لبريطانيا العظمى (٢٩ مارس).

وليست بريطانيا وحدها، فقد بدأت دول أوروبية عديدة تشهد سقوط حكوماتها واحدة تلو الأخرى في قبضة اليمين المتطرف والاتجاه الشعبوي الذي يتسلل سريعًا لإنهاك الاتحاد الأوروبي.

ذاك هو حال الأوروبيين، ولا نبدو نحن في المنطقة أفضل كثيرًا، فما بين نزاعاتنا المسلحة والدول الفاشلة والمشكلات الاقتصادية يجلس القادة العرب على مائدة الحوار مع نظرائهم الأوروبيين غير متفقين فيما بينهم على موقف موحد من قضاياهم هم أنفسهم.. فلا يوجد موقف موحد من سوريا أو اليمن أو ليبيا أو حتى إيران. بل إن معظم الفاعلين في نزاعاتنا الرئيسية هم من خارج المنطقة، بينما لا نملك نحن قولا فصلا في أي من تلك النزاعات التي تقع على أرضنا وتمزق شعوبنا ونتجرع مراراتها.

الأوروبيون أجندتهم واضحة، فإلى جانب رغبتهم في فرض مواقفهم السياسية من قضايا النزاعات الإقليمية، فإن قضية الهجرة غير الشرعية تتصدر اهتماماتهم حتى لو كانت التصريحات الرسمية غير ذلك. فثلث المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا يأتون من المنطقة العربية، ذلك الثلث الأخطر الذي يتضمن بقايا الدواعش والمقاتلين الأجانب الراغبين في العودة لبلادهم بعد تصفية جيوب داعش في سوريا والعراق. وتلك قضية رئيسية بين المنطقتين، حيث ترفض دول عديدة في أوروبا الآن عودة مواطنيها ممن انخرطوا في صفوف الدولة الإسلامية، بل وجردتهم بعض الدول من جنسياتها كي تمنع عودتهم نهائيا، ليبقي السؤال أين إذًا يعيش هؤلاء وأسرهم وذووهم، هل يبقون لدينا في المنطقة العربية؟

على الجانب الآخر، فإن مواجهة الإرهاب تتصدر أجندة دول عربية عديدة وفي مقدمتها مصر. فنحن نطالب بدعم ليس فقط عسكريًا ولكن مخابراتيًا واقتصاديًا كي نواجه الإرهاب ونجتثه من جذوره. ونطالب الدول الأوروبية بمزيد من الاستثمارات –وليس المساعدة– لتمكيننا من توفير فرص عمل لشباب نخشى أن ينخرط في الإرهاب، خاصة وأن أوروبا هي الشريك التجاري الأول للمنطقة العربية، كما أنها المستثمر الأكبر في دول المنطقة كذلك.

هل نتوقع إذًا نتائج فارقة من هذا الاجتماع رفيع المستوى؟ في الحقيقة لا يجب أن ترتفع توقعاتنا، فالقضايا ضخمة ومعقدة والخلافات شاسعة، رغم تصريح موجيريني –مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية- بأن هناك اتفاقًا على نسبة ٩٠٪‏ من القضايا. لكن مجرد اللقاء وهو الأول من نوعه بين هذا العدد الكبير من القادة على أرض عربية مصرية، لتقريب وجهات النظر والحوارات الثنائية التي كثيرا ما تفرز نتائج أهم من مقررات القمم، قد تكون غاية في حد ذاتها. وتبقي آليات المتابعة هي الاختبار الحقيقي لنجاح أي اتفاق، فقرارات القمم لا جدوى لها إن لم يحدد لها جدول تنفيذ ومتابعة، وإلا بقيت تلك القمم مجرد صورة جماعية لطيفة للقادة. علينا كعرب أن نتفق أولا على قضايانا، قبل أن نطلب من الآخرين مساعدتنا.

lameesh1@gmail.com

إعلان