إعلان

حدود الدور الإقليمي المستعاد لمصر

محمد جمعة

حدود الدور الإقليمي المستعاد لمصر

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 13 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بعد سنوات من التركيز على الداخل لتحقيق استقرار اقتصادها ووضعها السياسي الداخلي، تشعر مصرُ اليوم بالثقة الكافية لإعادة تأكيد نفسها بوصفها فاعلًا إقليميًا أقوى من ذي قبل.

اليوم بدأ اقتصاد مصر يظهر بشكل أقوى مما كان عليه قبل سنوات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التزام القاهرة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم بقرض موسع من صندوق النقد الدولي.

وكانت المؤشرات الكلية الناتجة عن ذلك مبهرة؛ حيث حققت مصر أعلى معدل نمو لها خلال عقد، 5.3%. وأكبر استثمار أجنبي مباشر مقارنة بأي بلد في أفريقيا في عام 2018.

كما باعت مصر أكثر من 13 مليار دولار من السندات المقومة بالعملة الأجنبية منذ عام 2016، وستمكنها احتياطياتها الحالية من الوفاء بالتزاماتها المالية ومتطلبات الاستيراد. إلى جانب ارتفاع أعداد السائحين القادمين إلى مصر.

إن التقدم الذي تحرزه مصر على صعيد استقرار اقتصادها ونظامها السياسي الداخلي يعني أنها باتت في وضع أفضل بما يكفي لاستئناف دور أكثر فاعلية على الصعيد الإقليمي.

ولا شك أن أهمية مصر كقوة متوسطة في المنطقة، تؤثر، بطبيعة الحال، على كيفية ارتباطها بالعالم الأوسع.

فخلال معظم تاريخها الحديث، عملت مصر كقوة وسطى استراتيجية في الشرق الأوسط، أو شاركت في العديد من الصراعات أو التوسط فيها، وقدمت الدعم الدبلوماسي للحلفاء الساعين للاستفادة من ثقل البلاد.

وإذا كانت مصر تحتل موقعًا محوريًا في العالمين العربي والإسلامي (مع خط ساحلي واسع على امتداد ممرين مائيين رئيسين هما البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط) فإنها تحتفل في عام 2019 بمرور 150 عامًا على إتمام قناة السويس، ذلك الممر المائي الاستراتيجي المهم الذي ما زال قادرًا على توفير طريق عالمي مختصر للنقل البحري؛ الأمر الذي يمنح البلاد موقعًا استراتيجيًا مهما للغاية.

كما أن لديها أكبر قوة عسكرية عربية، تشمل قوة بحرية كبيرة، فضلا عن أن مصر لديها جهاز دبلوماسي عريق ومتطور.

* بالتأكيد تركز مصر في المقام الأول على الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في منطقة حوض النيل، والبحر الأحمر، وشرق البحر الأبيض المتوسط، والصحراء الأفريقية.

* أيضا، وفي إطار سعيها إلى إعادة تأكيد نفسها كقوة متوسطية، أصبحت مصر فاعلًا رئيسيًا في مجال النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث أعطت الاكتشافات الأخيرة الكبيرة القاهرة آمالاً في العثور على المزيد من الهيدروكربون.

ولما كانت مصر حريصة على توفير قدر أكبر من أمن الطاقة ولتمكين قطاع الصناعات التحويلية بشكل أفضل، فقد سعت بعناية إلى التواصل والتوافق من كثب مع اليونان وقبرص، والالتقاء مع جيرانها المتوسطيين في مؤتمرات قمة طوال العامين الماضيين.

وقد منح التوافق مع اليونان وقبرص، وكذلك مع إسرائيل وإيطاليا- مصر فرصة للتموضع بشكل أفضل لتحدي تركيا المنافس الرئيسي في أي نزاعات حول اكتشافات النفط والغاز المستقبلية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

* من ناحية ثالثة، لا تزال القاهرة تواصل هذا التوازن في السياسة الخارجية التي تم اعتمادها منذ ثورة 30 يونيو، والتي تتأسس على تنويع خياراتها الدولية لمصر؛ حيث تتلقى مصر سنويًا مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تشتري في الوقت نفسه المعدات العسكرية الروسية، وتستكشف تطوير الطاقة النووية مع موسكو.

كما تقوم الصين بضخ أموال الاستثمار في مصر مع التركيز على السوق الاستهلاكية والبيئة الصناعية، وضمان سهولة الوصول إلى البحر الأحمر وقناة السويس كجزء من مبادرة الحزام والطريق.

وإذا كانت الولايات المتحدة تعترض بالفعل على العلاقة الوثيقة بين مصر وروسيا، حيث عارض الكونجرس بشكل خاص شراء القاهرة للأسلحة الروسية. أيضا إذا كانت زيادة التعاون الاقتصادي المصري مع الصين ستصبح مشكلة في واشنطن، خاصة إذا زادت مصر من مشترياتها من التكنولوجيا الصينية، فإن كل ذلك لا ينفى أن مصر تظل قادرة، رغم هذا الامتعاض الأمريكي، على مواصلة النضال من أجل الحفاظ على حريتها في تقرير مع من ستتعامل.

ومع ظهور مصر كدولة إقليمية أكثر ثقة، ستجد هذه القوى العالمية الثلاث نفسها تتنافس على اهتمام مصر، في سياق سعيها لتحقيق أهدافها المتنافسة في الشرق الأوسط.

يبقى أن نشير إلى أن طبيعة الاستجابات المصرية تجاه بعض الأزمات الإقليمية، مثل اليمن وسوريا- تؤكد أن القاهرة تتفاعل إقليميا وفق إدراك استراتيجي، مفاده أنه كلما زادت مصر من انخراطها خارج حدودها، ازدادت تعقيداتها مع القوى الإقليمية والعالمية التي لا تتقاسم وإياها الأولويات والمصالح. ولهذا ستظل مصر، خلال العامين القادمين على الأقل- حريصة على الموازنة بين الحاجة إلى "الكمون الاستراتيجي" من أجل استكمال مهمة البناء في الداخل، وبين الحاجة أيضا إلى التدخل الانتقائي في بعض أزمات الإقليم، من أجل حماية مصالح الشعب المصري ومقدراته.

إعلان