إعلان

مجدي الجلاد يكتب: من قتل «دريم»..؟!

مجدي الجلاد

مجدي الجلاد يكتب: من قتل «دريم»..؟!

مجدي الجلاد
07:13 م الإثنين 02 ديسمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هل يتحقق الحلم أحيانًا ثم يموت؟!.. يبدو ذلك.. وإلا لماذا ماتت قناة «دريم»..؟!

لا تتعجب لأنني أكتب عنها الآن.. فحتمًا ستجد في وجدانك وتكوينك وثقافتك نقاط ضوء ومساحات معرفة، وقناعات ثابتة، وأفكارًا مستنيرة غرستها شاشة «دريم» بداخلك.. لذا دعني أكتب عنها بحزن من فارق حبيبًا، وأسى من افتقد رفيقًا، ودهشة من لا يعرف إجابةً لسؤالٍ مصري خاصٍ جدًا: لماذا نُبدع -دائمًا- في وأد أي حلم جميل..؟!

ذات مساء من عام 2001 ولدت قناة «دريم» كأول محطة فضائية مصرية خاصة.. يومها قال صفوت الشريف وزير الإعلام لمؤسسها الدكتور أحمد بهجت «معقولة؟!.. إزاي هتقدر تنافس بإمكانيات ضعيفة مقارنة بالمحطات التليفزيونية الضخمة؟!».. كانت إجابة بهجت بسيطة بحجم الوليد الجديد: خلينا نجرب.. هنصرف عليها ما ننفقه على إعلانات شركاتنا..!

بدأت «دريم» قناة منوعات.. وسرعان ما تحولت إلى منتدى مفتوح للآراء الحرة والمساجلات الجريئة والأصوات الهاربة من أحادية «تليفزيون الدولة».. وبدا الأمر وكأن المحطة لعبت -بإرادتها أو رغماً عنها- في مساحة غير مأهولة في الإعلام التليفزيوني المصري والعربي.. مساحة القضايا المسكوت عنها، سواء فيما يتقاطع ويتماس مع حياة الناس، أو يتماهى مع تيارات المعارضة الوطنية، أو يقتحم المحظورات والتابوهات العتيقة في النقاش المصري العام..!

ذهبت «دريم» ومعها بهجت ونخبة من المفكرين والمثقفين والإعلاميين المخضرمين والشبان إلى قدرٍ محتومٍ وأدوارٍ تاريخيةٍ.. من «هيكل» الأستاذ الذي فجّر عبر شاشتها مصطلح «التوريث» في محاضرته الشهيرة بالجامعة الأمريكية، إلى ديوان «العاشرة مساءً» الذي تحول إلى منصةٍ مسائيةٍ لطرح أخطر وأعمق قضايا السياسة والحياة والفكر والفن وأحلام البسطاء.. إلى وجوه أطلت على المشاهدين بحياء الاستئذان، فتحولت مع ساعات البث إلى أسماء لامعة في الإعلام العربي..!

كان نجاح «دريم» غير المتوقع رحمًا ولدت منها فضائيات جديدة، أسهمت بدرجاتٍ متفاوتةٍ في تأسيس صناعة الإعلام المصري الحديث.. ورغم النجاحات التي حققتها الفضائيات الأخرى، تظل «دريم» التجربة صاحبة الريادة، والشاشة الأكثر عمقاً، والبيت الدافئ لكل الإعلاميين، سواء من عملوا بها أو من ظهروا على شاشتها ضيوفًا أو متحدثين..!

أين «دريم» الآن؟!.. هل ماتت أم أُميتت؟!

لا أعرف.. فقط أعرف أنه لم يتبق من المحطة الرائدة سوى اسمها وساعات بث معادة من أرشيفها «play list».. توقف الإنتاج وكافة برامج الهواء، وغادرها أكفأ المذيعين ومقدمي البرامج والمخرجين والمعدين والفنيين.. لماذا؟!؛ لأنها- كما يقولون- بلا صاحب منذ ثلاثة أعوام.. «بهجت» قال في سبتمبر 2018 إن جهاتٍ من الدولة شاركته في القناة، ثم تواترت أنباء عن بيعها لإحدى الشركات المرتبطة بالدولة، ثم ساد صمت مطبق وطويل.. مصادر بالمحطة العريقة قالت: إن الصفقة تمت ولم تتم!!!!!!.. ولا أحد يعرف: هل ما زالت «دريم» مملوكة لبهجت، أم انتقلت ملكيتها للشركة الجديدة.. أم "لا هذا ولا ذاك"، على طريقة «أنت بعت وأنا اشتريت وما حدش فينا عارف مين اللي بيدير»..!

الكيانات الناجحة والعريقة لا تُترك هكذا، تذبل.. وتندثر، ثم تموت في صمت.. وصناعة الإعلام كانت أقوى صناعة في مصر، وركنًا شديد الأهمية من قوتها الناعمة، بل والخشنة أحيانًا في مواجهة الخصوم والأعداء، وما أكثرهم.. فلماذا نضحي بمفاتيح قوتنا مجانًا؟!.. وكيف نتنازل طواعية عن ريادتنا الإعلامية، وسط عالم يغزو بعضه البعض عبر الشاشات؟!.. ومتى نؤمن أن الحرب الأشرس ضدنا يشنها الأعداء بغسيل العقول وليس فتكًا بالأجساد؟!.. وكيف نقبل أن تتأخر مصر عقودًا في صناعة الإعلام عن الإمارات والسعودية والمغرب وتونس؟!.. وهل هذا التدهور له علاقة بالسياسات الجديدة للحكومة تجاه الإعلام؟!.. والأهم والأخطر: هل ثمة قناعة ما بأن الإعلام المصري خطر على الدولة بما يحمله من اختلاف في وجهات النظر، أو تعدد الأصوات والآراء، وبالتالي بات موت «دريم» أو غيرها من الشاشات والصحف أمرًا مقبولاً بل مرغوبًا..؟!

«دريم» يا أهل البصيرة ليست محطة فضائية.. «دريم» نافذة مشرعة للفكر والحوار والوعي والثقافة، وهي أيضاً سلاح في يد مصر ضد حملات التشكيك وبث اليأس والإحباط العام في المجتمع.. فكيف يتخلى الفارس عن سيفه وهو في أتون المعركة..؟!

من بإمكانه الإجابة عن هذه التساؤلات؟!.. صدقًا لا أعرف.. ولأنني لست «طماعًا» أتمنى فقط أن نجد إجابة عن سؤالٍ واحدٍ: هو مين صاحب «دريم» الآن؟!.. وسايبها ليه كده؟!!

إعلان