إعلان

ليلة رأس السنة

د. جمال عبد الجواد

ليلة رأس السنة

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 04 يناير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قضيت ليلة رأس السنة في الاسكندرية، كانت رحلة رائعة. لفت نظري العدد الكبير من الناس الذين خرجوا للاحتفال بالعام الجديد. كان المشي على رصيف الكورنيش صعبا بسبب العدد الكبير من الناس الذين يمشون في كل الاتجاهات. حركة السيارات على طريق الكورنيش توقفت تماما لعدة ساعات قبل وبعد منتصف الليل. عائلات بأكملها خرجت للاحتفال، لكن تمثيل الشباب بين المحتفلين كان هو الأكبر. ما شهدته في الاسكندرية لا يختلف عما عايشه أصدقاء لي في القاهرة والسادس من أكتوبر والتجمع. هناك تغير في سلوك المصريين، فالخروج أصبح يمثل جزءا من سلوك الكثيرين، وأصبح الاحتفال بالعام الجديد جزءا من ثقافتهم. 

عندما دقت الساعة الثانية عشرة معلنة بدء العام الجديد، كان الناس يملئون الشوارع، وكانت السيارات تغلق الطرق. لم تكن هذه الجموع تجلس في مكان ما، هم فقط موجودون في الشارع. الخروج للشارع، مجرد الخروج، كان هو الطريقة التي اختارها الملايين للاحتفال. لم يجلس هؤلاء في أحد المحلات العامة الغالية أو الرخيصة، هم فقط اختاروا الوجود في الشارع في هذه الليلة. تجمعات كبيرة من الشباب والعائلات تزاحموا أمام محلات مشهورة بتقديم أطعمة شهية بأسعار مناسبة، أو لتناول الآيس كريم في محلات الاسكندرية المشهورة بذلك، فالمهم هو الخروج للشارع. 

لكن أيضا كان هناك مئات الآلاف آخرين يجلسون في كل أشكال المقاهي والمطاعم والملاهي الرخيصة والباهظة في المدن المصرية، حتى أنه كان من الصعب أن تجد لنفسك مكانا في أحد هذه الأماكن لو كان وصولك إليها متأخرا قبل منتصف الليل بقليل. لقد أصبح قضاء وقت في المقاهي والمطاعم جزءا لا يتجزأ من حياة الطبقات الوسطى المصرية. الأمر لا يحتاج إلى عبقرية أنثروبولوجية لملاحظة العدد الكبير من المقاهي والمطاعم التي تم فتحها في أنحاء مصر، في كل أحيائها الغنية والفقيرة. مشهد رواد المقاهي وقد احتلوا الرصيف وبعضا من حرم الطريق، وجلسوا لتدخين الشيشة، أو لمجرد شرب الشاي وتبادل الحديث مع صديق؛ لم يعد هذا المشهد غريبا أو يلفت نظرنا، لأنه أصبح جزءا من طبيعة الحياة في المدن المصرية، كل المدن المصرية. مشهد النساء وقد جلسن على المقاهي في أحياء شعبية أصبح مألوفا. المقاهي العشوائية على الكباري هو إبداع مصري فريد لا تجد مثيلا له في بلد آخر، وهو مشهد يقدم لنا دليلا على أن عدد الأماكن المجهزة لاستقبال الناس أقل بكثير من احتياجاتهم، الأمر الذي ألجأ الناس لهذه الحيلة الطريفة. 

لا أعرف بالضبط متى حدث هذا الانفجار الكبير في عدد المقاهي والمطاعم في مصر، وإن كنت أعتقد أن للأمر صلة بالخامس والعشرين من يناير. كان الاقتصاد المصري يترنح في سنوات عدم الاستقرار التي تلت سقوط نظام مبارك، فيما كان يجري افتتاح المقاهي والمطاعم الجديدة في كل مكان. لقد أخرجت الثورة الناس للشارع، بما في ذلك معارضيها، فجلس الجميع على المقاهي يتجادلون حول مستقبل الوطن. ليس لازدهار المقاهي والمطاعم صلة كبيرة بالاقتصاد والأسعار والدخول، فاحتياج الناس للقاء والحديث مع بعضهم في أماكن عامة أكبر من قيود الاقتصاد.

هل لاحظت الحكومة ما لاحظناه؟ هل بدأت في التخطيط لإنشاء مساحات عامة كافية؟ هل شوارعنا الجديدة واسعة بما يكفي لاستيعاب مقاهي الرصيف؟ هل لكبارينا الجديدة أرصفة تناسب حاجة الناس لاستنشاق الهواء فوق النيل؟ هل قوانين التنظيم والمحال العامة تراعي كل هذه الاحتياجات؟ هل يمكننا الاستجابة لرغبة الناس في الخروج إلى الشارع، دون أن تتحول شوارعنا وأرصفتنا إلى فوضى كبيرة؟ 

لكن الآن دعك من كل هذه الأسئلة، فالمهم الآن هو أن المصريين خرجوا للابتهاج بالعام الجديد، فكل عام ومصر وأهلها بخير.

إعلان