إعلان

التجربة البيراميدزية .. ما لها وما عليها (2)

التجربة البيراميدزية .. ما لها وما عليها (2)

د. سامر يوسف
07:00 م الإثنين 24 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تحدثنا فيما سبق عن الجوانب الإيجابية لتجربة بزوغ نجم نادي بيراميدز في مصر، وأعتقد أننا قد أعطيناها حقها بكل حيادية وموضوعية. واليوم سوف نتحدث عن بعض الجوانب الأخرى السلبية لتلك التجربة الهامة، وبكل موضوعية أيضاً.

ولا شك أن أولى هذه السلبيات هو الإنفاق المبالغ فيه من نادي بيراميدز ومالكه واسع الثراء، وإنفاق الأموال الطائلة في شراء اللاعبين المحترفين الأجانب والمصريين بمبالغ كبيرة جداً أدت لاختلال سوق الانتقالات الكروية في مصر بشكل خطير، فأصبحت كل الأندية تغالي في أسعار لاعبيها المطلوب شراؤهم من الأندية الأخرى بصورة لا تتناسب إطلاقاً مع مستواهم ولا مع العوائد الاقتصادية المنتظرة من مشاركة هذه النوادي في الدوري المصري، خاصة مع إقامة المباريات بأعداد محدودة من المشجعين وأغلبهم يحضرون المباريات أصلاً بلوشي بدعوات مجانية، فانقطع بذلك مورد رئيسي لتمويل هذه الأندية من بيع تذاكر المباريات. ولكن على الجانب الآخر فربما كان لهذه الظاهرة تأثير إيجابي بغير قصد، فقد يدفع ذلك باقي الأندية إلى الاهتمام أكثر بقطاعات الناشئين لديها وتصعيد الأشبال البارزين عندهم للفريق الأول بدلاً من تسريحهم كما يحدث حالياً، فرب ضارة نافعة كما يقول المثل!

وكذلك قيام مالك النادي بصرف مكافآت غير مسبوقة للاعبيه عند الفوز أو حتى التعادل، وصلت إلى أكثر من ستمائة ألف جنيه بعد مضي سبعة أسابيع فقط من الدوري حقق الفريق فيها أربعة انتصارات وثلاثة تعادلات (يعني مفيش إنجازات جامدة تستاهل). وهذا بالتأكيد سيلقي بظلال كثيفة من الشك على التأثير السلبي المحتمل لذلك في الأسابيع الأخيرة والحاسمة للدوري على كل أطراف اللعبة من اتحاد الكرة للحكام للاعبي الفرق الأخرى بكل صراحة .. والحدق يفهم بقى !

وطبعاً كلنا تابعنا اللي حصل بعد تعادل بيراميدز مع الجونة واعتراض مالك النادي على الحكم وتهديده بأن فريقه لن يلعب المباريات المقبلة إلا بحكام أجانب، وتصدى له بقوة الكابتن عصام عبدالفتاح عضو اتحاد الكرة ورئيس لجنة الحكام وأكد أن الحكام المصريين فقط هم من سيحكمون ومات الكلام. ثم فوجئنا جميعاً بطاقم تحكيم تونسي (ناقص حكم) يحكم مباراة بيراميدز التالية مباشرة ضد المقاولون العرب، وحدثت مشاحنات ودوشة من الكابتن علاء نبيل المدير الفني للمقاولين ورفض اللعب في البداية ثم رضخ ولعب المباراة في النهاية وخسر فيها بهدف نظيف. وأطلق الكابتن علاء تصريحات نارية بعد المباراة توحي بوجود كوسة في الاتحاد لمحاباة بعض الأندية ووصف الدوري بأنه "دوري مرجان أحمد مرجان" على حد قوله، فتم إيقافه مباراتين وتغريمه عشرين ألف جنيه وليلة كبيرة قوي سعادتك!

وبكل شفافية وجرأة قام الكابتن رضا عبدالعال بتشخيص الحالة على شاشة قناة بيراميدز عندما قال بثقة: "الراجل بتاعنا قوي"، فأصيب مقدم البرنامج إبراهيم فائق وضيوفه الآخرون ميدو وتامر بدوي بالذعر وحاولوا إثناءه عن رأيه الصادم ولكنه أفحمهم بكل ثقة وأثبت لهم أن كل من استخدم نفس التهديد سابقاً لم تتم الاستجابة له مهما كان اسم ناديه، ولكن السيد تركي عندما هدد وتوعد استجاب له الاتحاد في أول مباراة بعدها .. السيطرة حلوة برضه!

لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيفية مواجهة هذه المبالغة الشديدة في الإنفاق وتأثيرها الضار جداً على الوسط الكروي المصري؟

وللأسف فعند طرح هذا السؤال على رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم المهندس هاني أبوريدة منذ فترة أجاب سيادته بأنه "لا توجد آلية في مصر للحد من سقف الإنفاق في مجال كرة القدم!"

والحقيقة أنه رد غريب جداً وغير مقبول من رئيس جمهورية كرة القدم المصرية، فإذا كان الضرر محققاً ولا توجد آلية لفرملته حالياً فما الذي يمنعه من إيجاد هذه الآلية؟ خاصة وأنه لن يخترعها، ألم يسمع سيادته من قبل عن "قانون اللعب المالي النظيف"؟

فهذا القانون يتم العمل به من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم منذ سنوات، وهو يستهدف معادلة جميع الأندية المشاركة في البطولات القارية للاتحاد الأوروبي للإيرادات والمصروفات على الأقل إن لم تحقق أرباحاً في نهاية كل موسم، وألا يكون في ميزانيتها أي نوع من أنواع العجز المالي. وبموجب هذا القانون فإن النادي الذي تزيد مصروفاته على إيراداته يكون عرضة لعقوبات من الاتحاد الأوروبي، والتي تبدأ من التوبيخ ولفت النظر، ثم الغرامات المالية الضخمة، ثم تقليل عدد اللاعبين المتعاقد معهم أو منع ذلك تماماً، ويمكن أن تصل العقوبات للمنع المؤقت من المشاركة في المسابقات الأوروبية (كما حدث مع نادي ميلان الإيطالي الكبير من قبل).

وإذا كان أعضاء الاتحاد المصري لكرة القدم جادين في جعل الدوري المصري "احترافيًا حقيقيًا"، فإن من أولويات ذلك تطبيق بنود هذا القانون الهام على كل الأندية بلا استثناء، والنهاردة أحسن من بكرة بكل تأكيد.

ومن السلبيات الواضحة أيضاً تضارب المصالح الناشئة عن كون مالك النادي السيد تركي آل الشيخ رئيساً للاتحاد العربي لكرة القدم في نفس الوقت، وقد رأينا جميعاً كيف رفض أعضاء مجلس إدارة نادي المصري المحترمون مؤخراً منحة أو معونة من سيادته قدرها نصف مليون جنيه اتقاءً للشبهات عند مواجهة نادي المصري مستقبلاً لناديه والذي يتنافس معه في نفس المسابقات. وفي نفس ذات الوقت وجدنا أن هناك مسؤولين كبارًا غيرهم من نوادٍ أخرى لا يتحرجون من ذلك، ويتقبلون مساعداته المتكررة شاكرين مهللين، بل ويطلبون منه بعض المساعدات بعينها لناديهم بلا خجل. وهذا الأمر وبلا شك سيفتح أبواباً واسعة للتلاسن بين مسؤولي ومشجعي الأندية المصرية مستقبلاً، ونحن في غنى عن ذلك بكل تأكيد!

وكمان موضوع استقدام حكام من الدول العربية الشقيقة مثل تونس أو المغرب مستقبلاً (كما سمعنا) فيه بعض شبهات تضارب المصالح أيضاً، لشبهة مجاملاتهم لرئيس الاتحاد العربي الذي يتسم بالكرم الحاتمي مع اتحادات دولهم التي ترشحهم لهذه الإعارات المجزية !

والظاهرة السلبية الأخرى أن مالك النادي يعلق بعنف عقب كل مباراة مهاجماً التحكيم تارة، واتحاد الكرة تارة أخرى، بل والأندية المنافسة ولاعبيها أيضاً لأنهم كلهم (على حد قوله) يضيعون الوقت منذ بداية المباراة خوفاً من فريقه الجبار اللي هو دافع فيه شيء وشويات. علماً بأننا أصلاً لدينا من يقوم بهذا الدور غيره بكفاءة تامة منذ سنوات وبدون أي تقصير والشهادة لله، يعني بالبلدي كده المشرحة مش ناقصة قتلا !

وأخيراً فالأمر الغريب أيضاً -وإن كان تأثيره السلبي يتعلق بالنادي فقط وليس بالكرة المصرية عامة- فهو المستوى الضعيف للمسؤولين عن ملف الدعاية للنادي عبر قناتهم وكذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر وفيس بوك)، رغم توفر الأموال الطائلة لديهم والتي كانت تسمح لهم باستقطاب أفضل العقول في هذا المجال مثلما فعلوا في الطاقم الإداري والفني للفريق ولقناتهم التليفزيونية، فأصبحوا على رأي المثل: عملوا رز بلبن وعفروه بتراب !

فأولاً: لوجو النادي فكرته متاخدة بوضوح من فكرة لوجو إحدى شركات البيرة المصرية كما لاحظ الجميع (حتى من غير المزاجنجية زي حالاتي). وتوجد فيه ثلاث نجوم لا ندري ما معناها (إلا لو كانت متاخدة برضه من نجمة نوع البيرة المنافس للنوع السابق ذكره مثلاً علشان ما يزعلوش)، فقد جرى العرف على أن كل نجمة توضع على فانلة أي نادٍ ترمز إلى فوزه بعشر بطولات للدوري في بلده. وفانلة النادي الأهلي مثلاً كانت تحمل ثلاث نجوم فقط حتى وهو فائز بتسعة وثلاثين بطولة دوري، فلما فاز بآخر بطولة وكانت هى البطولة الأربعين أضاف نجمة رابعة إلى فانلته هذا الموسم. وبالطبع فإن نادي بيراميدز لم يفز بأي بطولة دوري حتى الآن تمنحه الحق في وضع ولو نجمة واحدة على فانلته !

وثانياً: اللوجو أيضاً يتوسطه ويغلب عليه صورة تمثال أبوالهول، بينما تنزوي صورة الأهرام الثلاثة في مساحة صغيرة تقع أسفل اللوجو فوق النجوم الثلاثة إياها، مع أن النجوم يفترض دائماً أن تكون على قمة التصميم. وأعتقد أن هذا اللوجو كان سيصبح مناسباً أكثر لو كان النادي اسمه "سفنكس" وليس "بيراميدز" ؟ وأتصور أن السبب الذي اضطر مصمم اللوجو لهذا، أن شعار شركة البيرة إياها يتصدره هرم فرعوني شهير، فالراجل اتكسف أن يبلغ التقليد هذه الدرجة فضرب التصميم بتاعه في مقتل، لأنه كده أصبح غير معبر عن اسم النادي أصلاً. ولكن إحقاقاً للحق فالمصمم يستحق التهنئة لأنه نجح في إقناع مسؤولي النادي بشراء هذا التصميم الهزيل وغير المناسب أيضاً !

وثالثاً: شعار النادي "حضارة تبني حاضر" لم أسمع أبوخ منه في حياتي وليس له أي معنى على الإطلاق. فأصلاً هذا النادي جديد لنج بلا أي تاريخ ولا بطولات، وحتى لو إنه هيبني حاجة فالمفترض إنه سيحاول بناء مستقبل مشرق وليس الحاضر (لأن الحاضر هو الوضع الموجود بالفعل الآن) !

رابعاً: وهو الأمر الأكثر غرابة، حملتهم الأخرى المستفزة "غيّر مبادئك وشجع بيراميدز" والتي تدل على سذاجة فظيعة وجهل مطبق. فالكل يعلم جيداً أن المبادئ والقيم هى صفات جيدة في الإنسان المحترم، ولو أنه غيّرها فمن المؤكد أنه سوف يقوم بعمل معيب ومشين !

وصدق أجدادنا الحكماء حين قالوا في المثل الشعبي: الفلوس مش كل حاجة !

وختاماً فلا بد من الانتظار حتى نهاية الموسم لكي نصدر حكمًا نهائيًا موضوعيًا على هذه التجربة ككل، وهل فاقت إيجابياتها سلبياتها أم العكس. وأكيد إن كل اللي يهمنا في المقام الأول مصلحة الكرة المصرية والرياضة المصرية على وجه العموم.

اقرأ أيضًا:

التجربة البيراميدزية.. ما لها وما عليها (1)

إعلان