إعلان

"نمبر وان"

"نمبر وان"

د. براءة جاسم
09:28 م السبت 11 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في ظلِّ ما نعيشُهُ في عالمنا المعاصر مِن أحداث متسارعةٍ مفعمةٍ بالصعوباتٍ الحياتيةٍ اليومية من سعيٍ إلى التميّزِ أو إنجاز ما لم يقدِر عليه آخرون، تبرزُ أحدُ أهم الأسلحة الشخصية التي يسعى كلُّ امرئ إلى امتلاكِها والقدرةِ على النفعِ بها بأكبر قدرٍ ممكن، ألا وهي الثقة بالنّفس، وتكمنُ أهميّةُ الثقةِ بالنفس في أنَّها الدرعُ الواقية من التحدياتِ التي نواجهُها على مدار حياتِنا منذ نعومة أظفارنا، فالطفلُ غير الواثق بنفسِه طفلٌ قلوقٌ جبانٌ كثيرُ العصبيةِ منعزلٌ عنيف، وهذه صفاتٌ تلازمه إلى الكِبَر حتى يتحوّلَ إلى شخصٍ مُعرَّضٍ لأمراضٍ نفسيّةٍ كثيرةٍ على رأسِها الاكتئاب بسببِ عدمِ رضاه عن نفسه، هذا بخلافِ التبعاتِ الكارثيّةِ في حياته، كأن يمرّ بعلاقةٍ عاطفيّةٍ أو زوجيّةٍ فتفشلَ ليس لشيءٍ إلا لقلةِ أو انعدامِ الثقة بالنفس.

وتنشأ الثقةِ بالنفس منذ الولادة ولا تتوقّفُ على مدار الحياة، فتبدأ بنظرة المرءِ إلى نفسه ومدى رضاه عنها وعما وصلت إليه، وتلك نظرةٌ تختلفُ من شخص لآخر، فإما أن تنشأ الثقةُ هزيلةً نتيجةَ التعرّضِ للعنف المنزليّ أو معايشته في الأسرة، أو لعدمِ الحب أو التشجيعِ من الأهلِ أو الّلومِ الدائم للأبناءِ بلغةٍ تسلبُ ثقةَ الطفلِ بنفسه، وإمّا أن تزدهرَ بالحب قبل أيّ شيء، فهو مفتاحُ بابِ الثقة، ويليه الإحساسُ بالأمان، ثم التحفيزُ وتعليمُ الآباءِ لأبنائِهم والسماحُ لشخصيّاتهم بالتنفس كأن يربي الأب ابنهُ على التفكيرِ المستقلِّ والتخطيطِ لتكونَ له أحلامُه الخاصّة به، فيركّزَ على هواياته وقدراتِه المميّزةِ له كالرياضة أو الموسيقى أو غير ذلك، وتكونُ الأولوية دائمًا للجُهدِ المبذول والعمل، أما النتيجة فالتشجيعُ إن أصابَ والعونُ في مواجهةِ العثرات.

وربما يسألُ سائلٌ: "ماذا أفعلُ بعد أن نضجتُ ولم أنشأ على هذه المبادئ وقد أصبحَ جدارُ ثقتي بنفسي ضعيفًا؟".. أقول: أول ما يجبُ أن تنتهيَ عنه مُطلقًا هو جلدُ ذاتِك، فإنّهُ يهدمُ أيَّ بناءٍ، ويؤخّرُ أيَّ تقدُّم، تفهَّمْ أنَّ كلَّ إنسانٍ معرَّضٌ للخطأ، لا تقارِنْ نفسَكَ بمَنْ حولَك، فكلٌّ بارعٌ فيما يُسِّرَ له، لذا عليكَ أنْ تستكشفَ نقاطَ قوتِك وأنْ تعملَ على تطويرِها بالإضافةِ إلى التعرُّفِ على نقاطِ ضعفِكَ بصدق والعملِ على تقويمِها، أما رأس الأمرِ كلِّه فهو أن تُحبَّ ذاتَك، وتفعلَ ما تحب، وتحيطَ نفسَكَ بمَن تشعرُ بحبِّهِم فيكونون عونًا لكَ في رحلتِك.

والحذر كلَّ الحذرِ من الربط بين الثقةِ بالنفس والغرور أو الكبرِ، فهما خطّان لا يلتقيان أبدًا، إلا أنَّ كثيرًا من الناس يربطُ بينهما بقوله: "هناك شعرةٌ تفصلُ بين الثقة والغرور!"، وهي مقولةٌ بها خلطٌ شديدٌ بين متناقضين شتانَ ما بينِهِما، إذ إنَّ الاثنينِ تفصلُهُما أميال، فالمغرورُ عادةً ما يحاولُ فاشلًا أنْ يرتديَ قناعَ الثقةِ الذي لا يلبثُ أن تتفتَّتَ مكوناتُهُ مع المواقفِ الحياتيّةِ المختلفة، فما المغرورُ إلا شخصٌ فارغٌ يدَّعي ما لا يملكُه، فتكتشفُ من معاشرتِه أنَّه نرجسيٌّ متضخمُ الأنا متهورٌ، وصوليٌّ يصعدُ على أكتافِ ونجاحاتِ أو عثراتِ الآخرين، بارعٌ في إبرازِ وتضخيمِ نقاطِ الضّعف لدى مَن حولَه.

أمَّا الواثقُ بنفسه، فهو شخصٌ يعرفُ قدرَه، باحثٌ دائمٌ عن العلمِ والمَعرفة، لا يرى نفسَه بطلًا أسطوريًّا، بل مجردَ إنسانٍ عاديٍّ يخطئُ ويصيب، يميّزُهُ أنَّه يدرسُ قرارتِه جيدًا، ينظرُ إلى الأخطاءِ على أنها فرصٌ يتعلمُ منها وأنّها مجردُ عائقٍ بسيطٍ يمكنُ تجاوزُه، وليست فشلًا مُحبِطًا، يفتّشُ عن كل إيجابيٍّ في حياتِه ويأخذُ العِظة من كل سلبيٍّ فيسعى إلى تغييره، وليس الواثقُ بنفسه متهورًا ولا مندفعًا، فهو يعرفُ متى يأخذُ خطوةً إلى الوراء ومتى يُقدِم، راضٍ عن نفسه وعمّا وصل إليه، قادرٌ على إظهارِ حقيقتِهِ دون خوفٍ من رفضِ أو تقبُّلِ غيرِهِ لها، لا يتّخذُ منطقَ القطيع، لا يسرقُ نجاحَ الآخرينَ ولا يقلّلُ منهم، ولا يسعى من كلِّ ذلك إلى إثباتِ شيءٍ لأحد.

إعلان