إعلان

المواصفات.. وبناء الثقة

المواصفات.. وبناء الثقة

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 02 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وضعت دول العالم تقليدًا يُمْكِن وصفه بأنه تقليد إداري- اقتصادي اسمه "المواصفات"، والمعروف باسم "الأيزو"، وتشير إلى المنظمة الدولية للمواصفات القياسية.
والمواصفات هي الحد الأدنى من المتطلبات الفنية المعتمدة التي تتفق الأطراف المعنية في مجال أو تخصص ما على تطبيقها. وعادة ما يجب أن تتضمن تلك المواصفات القياسية الحيادية والشفافية.

وكثيراً ما تتردد عبارة "أخذ الأيزو" أي أن الجهة التي حصلت على شهادة "الأيزو" هي جهة معتمدة، من حيث الجودة، وأن هذا الأمر يرشحها، لأن يتم التعامل معها بثقة من قبل المواطنين والمستثمرين.
...
وقد تطورت سياسة وضع المواصفات القياسية، حيث بدأت بالتركيز على جانب الإنتاج الصناعي والخدمي إلى وضع مواصفات تركز على الجانب الإداري، مثل مواصفات الإدارة العامة والمواصفات القياسية لتحقيق التنمية المستدامة، ومواصفات للامتثال للقوانين.

كما تُعرف المواصفات بأنها "موحدة"، أي أنها صالحة للتطبيق على كافة المنشآت والعمليات والاستشارات. وبالتالي تساعد على وضع مؤشرات تمكن من قياس جودة المنتج بشكل عام أياً كان هذا المنتج.

وفي الواقع يركز الكثير من المتخصصين في إطار مناقشة وتطبيق المواصفات القياسية على أبعاد التنافسية وحماية المستهلك والمنتج وإزالة العوائق الفنية أمام حركة التجارة الدولية.
ولا ينكر أحد أهمية هذه الأهداف، وإنما لا بد من التركيز أيضاً وبشكل رئيسي على بناء "ثقافة الاهتمام بالمواصفات القياسية"، وتطبيقها بحيث تكون ثقافة لدي المواطن.

فالمواطن لا يجب أن يقبل على شراء السلعة أو المنتج الذي لم يتم قياس إنتاجه وتوزيعه وفقا للمواصفات القياسية، وهذا الأمر كفيل بمفردة بإخراج كافة السلع الصناعية والخدمية من التنافس في السوق، ومن ثم الارتفاع بجودة المنتجات والتأهل للتصدير.
...
لقد سمعنا، خلال السنوات الماضية، عن بعض المواقف حول رفض الاتحاد الأوروبي دخول بعض المنتجات الزراعية المصرية للأسواق الأوروبية، ثم تعطيل دخولها، بما يتسبب في انتهاء صلاحيتها والاضطرار إلى التخلص منها. وهذا المسلك يحدث لسببين:

أولهما: البعد الفني، وما يشير إليه المعنيون في الاتحاد الأوروبي من عدم مطابقة بعض تلك المنتجات للمواصفات القياسية التي وضعها الاتحاد الأوروبي للسلع الزراعية التي يسمح بتداولها في الأسواق.

ثانيهما: البعد السياسي، وذلك من خلال فرض سياسات حمائية على السلع الزراعية المنتجة في أوروبا لتنشيط المنتج الأوروبي المحلي.
ولا يمكن تنحية البعد السياسي في حركة التجارة الدولية والتنافسية المحمومة بين دول العالم لإتاحة النفاذ لسلعها ومنتجاتها إلى أسواق العالم المختلفة، ولكن في هذا الصدد، أود التركيز على الجانب الفني لأنه الجانب المستدام. والمتابع للأسواق الأوروبية يلحظ وجود تركيز على السلامة والصحة وحماية البيئة، وتوفير للطاقة والحد من أية عناصر ضارة في المنتج. وهذا الأمر لا ينطبق على السلع فقط، ولكن أيضا على الخدمات، مثل خدمات الاتصالات والبنوك التي تتطلب توافر مواصفات قياسية موحدة تتعلق بالامتثال للقوانين وتحقيق الشفافية بشكل رئيسي.
الأمر الآخر الذي تجب الإشارة له هو أن دراسة وتطبيق المواصفات الدولية التي تضعها جهات المواصفات العالمية صارت اللغة الموحدة التي يتحدث بها العالم وهي لغة "الجودة"، ومن لا يتحدث تلك اللغة، فهو خارج منظومة التنافسية، ومن ثم خارج منظومة التجارة الدولية التي أصبحت منظومة "شرسة" أو أشبه بنادٍ للكبار.
...
كما أن سياسة الجودة باتباع المواصفات القياسية الموحدة لم تعد رفاهية، ولا يمكن النظر لها بأنها "شهادة ضمان جودة" فحسب، إذ يتعدى الأمر هذا الإطار الشكلي إلى جودة السياسات والإجراءات والقوانين والعمليات والتدريب التي توصلنا لمنتج وخدمة ذات مواصفات قياسية دولية. وهو أمر يتطلب وجود جدية واستدامة من قبل كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية في أخذ تلك المواصفات القياسية كمؤشر لقياس جودة الأداء.
...
في هذا السياق أود أن أشير إلى أهمية مراعاة تطبيق تلك المواصفات في كافة مناحي حياتنا، وسأركز على مثال واضح لكل مواطن. جميعنا يستخدم الطرق، ويشهد طفرة في شبكة الطرق التي تم إقامتها خلال ثلاث سنوات الاخيرة لتيسير حركة المواطنين وحركة انتقال السلع والخدمات ونشر العمران والوصول لهذا العمران.
وقد طالعتنا الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي بأهمية جودة الطرق كأحد مقومات الخدمات الجيدة المقدمة للمواطنين، مثلما هي أحد أهم متطلبات نقل السلع والبضائع بشكل آمن وسريع وجذب الاستثمارات.
وأتذكر أنني عندما كنت أشارك في إحدى ورش العمل الخاصة بتنمية منطقة محور قناة السويس سألت إحدى الجهات الدولية سؤالا يتعلق بشبكة الطرق وكفاءتها. وعليه، فإن الإهمال في إنشاء بعض الطرق التي لم يتم إخضاعها للمواصفات القياسية تسبب في العديد من الكوارث وإزهاق الأرواح وتعطل الحركة والأهم من ذلك فقدان الثقة في كفاءة التنفيذ والأداء.
وهي تحديات تجعلنا نعود خطوات للوراء لنتساءل عن المعايير والمواصفات التي تم على أساسها تشييد تلك الطرق واستلامها واستخدامها. كما تؤشر تلك السلبيات في تشييد الطرق التي عانينا منها على مدى عشرات السنوات السابقة في المدن الكبرى والريف.
إن الظروف الدولية سريعة التغير، وكذلك المصالح، وكل دول العالم تركض بشكل سريع لتتواءم مع كافة المواصفات القياسية، ولتؤكد على امتثالها لها كمؤشر على الالتزام بالجودة والاستجابة لمتطلبات تحقيق التنافسية الجادة.
وإذ أتطلع كمواطنة من الجهات المعنية بوضع المواصفات القياسية في مصر أن تعمل على التوعية بها وبأهميتها ونشرها على كافة الجهات، وقيام المتخصصين بشرح كيفية تنفيذها للجهات المختلفة مع مراقبة تنفذها حتى لا تقف عند مجرد الحصول على "شهادة الجودة".

إعلان