إعلان

في رثاء أحمد خالد توفيق: أنت حيٌّ

عصام خضيري

في رثاء أحمد خالد توفيق: أنت حيٌّ

عصام خضيري
09:02 م الثلاثاء 03 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يقول الدكتور أحمد خالد توفيق: "يرددون بلا توقف أننا نكرّم الموتى أكثر من اللازم، وأنه يكفي أي واحد أن يموت ليصير ملاكًا نبيلًا، كان ينثر الأزهار من حوله ويزفر المسك والعنبر".

وهذا صحيح، لكن "الموت يجيد الانتقاء فعلًا.. الموت يعرف كيف يختار ضحاياه". فمن النادر فعلًا أن يموت أحد الأوغاد وأنت حي. لا بد أن يتمتع بصحة ممتازة ويجثم على روحك إلى أن تموت أنت.

الموت ينتقي الفرسان، ويختار ضحاياه من بين كتيبة الشرفاء.. أين ذهب المسيري والعم خيري شلبي وصلاح جاهين واللباد وآخرون ممن فرّوا من ذاكرتك يا دكتور قبل سنوات؟

"الذين يهددون بالرحيل يريدون فقط أن يُطلب منهم البقاء.. وأن يشعروا أن وجودهم مرغوب فيه.. الذين يريدون الرحيل حقًا يرحلون دون تهديد". الآن تنفذ حكمتك، بلا استئذان، وتلحق بركب الفرسان والشرفاء، وتتركنا وحدنا وسط الأوغاد !

تقول: "عجزت عن كتابة حرف عندما توفي أبي.. تصور!.. لم أكتب حرفًا عن وفاة أبي، رغم أنني لم أكف عن الثرثرة منذ تعلمت الكلام حتى هذه اللحظة".

أنت أبٌ لجيل بأكمله يقف عاجزًا عن نعيك، ويقتبس من كلماتك وسطورك، "فكلما كبُرت الكارثة صار من العسير- وربما من المبتذل- أن تصبغها بالحبر، وتضعها على الورق".

كتبت عن الموت كثيرًا، وكأنك تحدثنا من الظلام، وأعجبتك مقولة تشيكوف: "أعظم الخُطب وأبلغها تلك التي تقال عند قبور الموتى، ليس لها أدنى تأثير على اليتامى والأرامل وأهل الفقيد الأصليين الذين يفضلون الصمت".

"لا أريد أن أكون وحيدًا.. يحرقني الإحساس المرير بأن هذه مشكلتي أنا فقط.. أتعذب وحدي.. أجن وحدي.. بينما يعود كل واحد إلى داره مسرورًا، يحمد الله على أنه ليس أنا.. أريد آخرين بأي ثمن".

في جنازتك لم تمت، ولست وحدك؛ نحن الميتون وأنت حي وحيد بيننا، ألم تقل: "في وسط الحياة نحن في الموت".. لكن الموت غير المتوقع قاس، لقد قسوت علينا برحيلك.

"وداعا أيها الغريب، كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة، عسى أن تجد جنتك التي فتشت عنها كثيرًا". كنت "لا تخاف الموت، وتخاف أن تموت قبل أن تحيا".. ارقد في سلام؛ لقد حييت وأحييتنا بأدبك وكتاباتك ومقولاتك.

أفهمت الآن رحيلك العاجل؛ و"الحكمة من كون عمر الإنسان لا يتجاوز الثمانين على الأغلب؟ فلو عاش الإنسان مائتي عام لجنّ من فرط الحنين إلى أشياء لم يعد لها مكان".

في النهاية؛ "أنت تتجه إلى النهر المظلم.. النهر الذي عبره كثيرون من قبلك ولم يعودوا.. سوف تعبر إلى الجانب الآخر، وسوف (لن ينساك الجميع)".

ولما توارى شعاع الأصيل

وعُدنا من الغاب نبغي الرحيلا

لقد حان حينك يا بن الدياجي

ألا تسمع الموت يأتي عجولا؟

خرجتَ لتلهو قرب الردى

فجاء الردى غاضبا مستحيلا

نحن متأكدون؛ أن هذا ليس آخر أبيات القصيدة اللعينة؛ فقد أضيف بيت لا شك - على غير رغبتنا - بنفس الخط ونفس الحبر: "لقد حان حينك يا ابن الدياجي.. ألا تسمع الموت يأتي عجولًا؟".. وقد كان الردى أكثر براعة يا دكتور !

إعلان