إعلان

من النقد إلى المناشدة

من النقد إلى المناشدة

عمرو الشوبكي
09:01 م الخميس 08 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

صدم قرار حبس الإعلامي خيري رمضان الكثيرين، خاصة أنه من المؤيدين للحكم والنظام السياسي، وطالب بتحسين ظروف ضباط الداخلية على ضوء ما روته له زوجه أحد الضباط عن معاناة معيشية لكثير من الضباط، واعتبرت الطريقة (المؤيدة عمليا) التي تكلم بها مسيئة للشرطة، فقدمت وزارة الداخلية بلاغا ضده وقررت النيابة حبسه 4 أيام، ثم خرج بكفالة في اليوم التالي بقرار من المحكمة.

كان الإعلامي قد عرض مفردات مرتب عقيد الشرطة على الهواء، موضحاً أنه يتقاضى 6890 جنيهاً يخصم منها 2259 جنيها، ليتقاضى في النهاية 4631 جنيه، وخاطب وزير الداخلية قائلاً له: «نحن نقدر جهود ضباطنا لكن الرقم واضح ومن حقهم يتأمنوا ومن حق أولادهم استثناءات في المدارس الخاصة ومن حقهم أن يكون لهم رسوم كهرباء مخفضة إذا أردتم تشجيع الشرفاء على أن يستمروا شرفاء».

وقد يرى البعض أن حديثا من هذا النوع وفق الثقافة السائدة في مجتمعنا «جارح» فلا أحد يقبل أن تحدثه علنا بظروفه المادية الصعبة على الهواء مباشرة، خاصة لو كان ينتمي للمؤسسة الشرطية، ولكنه يبقى في النهاية وعلى أسوأ الفروض سوء تقدير، كان في عصورنا السابقة يستدعي اتصالا تليفونيا أو عتابا وليس بلاغا للنيابة.

وقد أخرج ما جرى مع رمضان روحا تضامينة واسعة في الوسط الصحفي والإعلامي، ضم المعجبين بطريقته على الشاشة الصغيرة وغير المعجبين، والمؤيدين والمعارضين إلا قلة تشمت في مصائب الجميع، وتقيم الناس ليس من خلال المبادئ والقانون والعدالة، إنما على حسب هواها السياسي، فلو كان ابن خطها أو شلتها تدين توقيفه ومحاسبته، وإذا لم يكن كذلك فهي تغمض عينها عن كل شيء من الحبس والاعتقال وحتى كل الموت.

يقينا لا أحد يطالب بأن يكون للمؤيدين وضعا خاصا، ولا أن يكون على رأسهم ريشة، فلا يقدمون للمحكمة إذا أخطأوا بسب الناس أو التحريض عليهم، كما يحدث بالنسبة للمحرضين منهم، إنما ألا يحبسوا إذا سهوا أو انتقدوا أو أيدوا بطريقة غير مقبولة، أو حتى إذا اخطأوا في الشكل أو في جملة أو فقرة، فهي كلها أمور لا تستدعي أن تصل إلى بلاغات النيابة أو الحبس.

والحقيقة أن هذه القضية أثارت مسألتين لهما أكثر من دلالة الأولى هي أن جانبا رئيسيا من الصراع السياسي في مصر لم يعد مثلما هو في كل المجتمعات بين مؤيدين ومعارضين، إنما في الحقيقة بين الأسوياء والناس الطبيعية من المؤيدين والمعارضين معا، وبين أصحاب العقول الممسوحة ومروجي الكلام الفارغ من الجانبين.

ولذا سنجد أن من تضامنوا مع الرجل مثلوا طيفا واسعا في الحياة الثقافية والصحفية والإعلامية المصرية ضم مؤيدين ومعارضين، في حين أن جزءا من المؤيدين ولجانهم الإلكترونية كالوا له التهم والشتائم ووصفوه بصفات سبق أن وصفوا بها رموزا معارضة من نوع الخيانة والطابور الخامس وهدم الدولة وحرب اللاعنف والإساءة للشرطة وغيرها من المفردات الرائجة دون أن يراعوا أن الرجل مؤيد أيضا.

والمسألة الثانية هي التحول الذي جري في ردود فعل غالبية من تضامنوا مع الإعلامي، فقد ناشدوا الوزارة ووزير الداخلية بتجاوز هذا الموقف، وبضرورة سحب بلاغ الداخلية، وناشدوه أيضا بضرورة أن يأخذ بعين الاعتبار إن الإعلامي مؤيد للداخلية وللدولة والنظام السياسي.

والسؤال المطروح هنا: وماذا سيفعل عقلاء المؤيدين والمعارضين في حال أخطأ أحد رجال الداخلية (كما يحدث)؟

هل سيعتبر الحديث عن هذا الخطأ في الصحافة والإعلام إساءة للجهاز في وقت عصيب تواجه فيه الشرطة الإرهاب الأسود، أم كما نرى؟

فإن نجاح البلد في مواجهة الإرهاب الأسود يتطلب احتفاظ الداخلية بدعم بيئتها الشعبية وتصحيح الأخطاء التي تحدث من الوزارة ومن بعض رجالها، دون أن يعتبر ذلك تعميما ولا إساءة لكل رجالها.

لقد توقع الكثيرون أن يكون الاعتراض على كلام رمضان من قبل فئات أخرى في المجتمع كالأطباء أو المهندسين، أو غيرهم، وليس الداخلية، وسيقولون نحن أيضا نقوم بعمل مهني شاق وباستثناء من هم على خطوط المواجهة مع الإرهاب الذين يستحقون ما هو أكثر من رواتب ومعاشات استثنائية، فإننا نطالب أيضا برفع رواتبنا.

حين يتراجع النقد بغرض الإصلاح لصالح المناشدة وطلب الصفح والعفو، وحين يتراجع صوت عقلاء المؤيدين لصالح أصوات الخرافة والكلام الفارغ، فإن هذا يعني أننا لسنا على الطريق الصحيح.

علينا كما قال الأستاذ مكرم محمد أحمد (موقفه كان مشرفا في هذه الأزمة) ألا نقف على الحرف والكلمة، وألا نحول الصحفيين إلي "ملطشة"، وأن نفرق بين التحريض والإساءة، وبين النقد والتأييد العاقل الذي بات أحيانا ليس على الهوى.

لقد أحدثت هذه الواقعة (حتى لو أنها لم تستمر إلا 24 ساعة) شرخا في صفوف تيار واسع من المؤيدين، وإن محاسبة الناس على نواياهم أو شكل حديثهم ولو "بقرصة ودن" أمر يضر بالجميع ويخلق مرارات الوطن ليس في حاجة لها إذا اعتبرنا جديا أن هدفنا هو العدالة والتنمية ومحاربة الإرهاب.

إعلان