إعلان

سباق الأرانب المحموم

سباق الأرانب المحموم

أمينة خيري
09:10 م الإثنين 05 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بينما نحن غافلون في انتخابات الرئاسة، وغارقون في توزيع اتهامات السدة السياسية بين سلطة يقول البعض إنها جلست على المعارضة ففطستها، ويقول البعض الآخر إن المعارضة هي من اتخذت قرار إنهاء حياتها، فدخلت في موت سريري، وغابت عن الأنظار منذ آخر استحقاق انتخابي، ويلوّح فريق ثالث بأن لا السلطة تعنيه، والمعارضة لا تشغله، لكن لقمة العيش هي ما يعكننه، تضخ نساء مصريات ملايين إضافية إلى الملايين الأصلية التي ينوء بحملها وطن مثقل منهك.

السيدة التي أنهكتها سبع ولادات متواترة تسب وتلعن "الحكومة التي تغلي الأسعار ولا تلتفت للغلابة مثلها". تسألها: "ولماذا تنجبين سبعة والثامن في الطريق؟" ترد بامتعاض: "ربنا باعت لي رزق، أرفضه؟!" البنات يعملن في الخدمة في البيوت ما أن يبلغن سن التاسعة أو العاشرة. وفي سن الـ13 أو 14، يتم تزويجهن. أما الصِبْيَة فيتعلمون صنعة لو كانوا أذكياء، أو يعملون على "توك توك" أو "فَرشِة" بضائع صينية في الشارع لو كانوا أغبياء. سيرة المدرسة لا تفتحها من الأساس. أما المستقبل فيتأرجح بين "أولاد الحلال الذين يمنون عليها بمبلغ هنا أو طعام هناك، بالإضافة إلى ما سيضيفه الصغار من بضعة جنيهات إضافية تمكنها من تزويجهم، وذلك ليستمر سباق الأرانب دون هوادة.

ودون هوادة، وفي مؤتمر كان يفترض أنه موجه لتدريب المعلمين على سبل التدريس الحديثة وقواعد التعليم الجديدة، تحولت الجلسة بقدرة قادر إلى شكوى وأنين من تدني الرواتب ومصاعب الحياة. وقف معلم اللغة العربية المفوه يشكو ضنك العيش، وظلم الدولة التي تخصص له راتبًا لا يكفيه وأسرته لمنتصف الشهر. المعلم له من الأبناء أربعة والخامس في الطريق. ويتوقع أن يتعاطف معه المتحدث الذي يباغته بقوله: ربنا يخلي الأولاد، لكن خمسة أطفال عبء كبير عليك وعلى الدولة! تجهم المعلم وكشر عن أنيابه، ودافع عن "قرطة عياله" بالتأكيد مرة على أن العيال يأتون برزقهم، وأخرى على أن التدخل في مشيئة الرحمن معصية، وثالثة بتلويحه بأن قرار الإنجاب "حرية شخصية".

حرية المواطنين الشخصية في الإنجاب تضرب بعنف في المجتمع. فالآلاف التي يتم ضخها كل يوم في المحروسة لا تأتي حاملة معها رزقها. الغالبية تأتي على أن توفر لهم الدولة المسكن والمأكل والمشرب من باب العدالة الاجتماعية، وتوفير الأساسيات التي هي واجب على كل سلطة. وإن لم تفعل، فإن الأنظار توجه إلى منظمات المجتمع الأهلي، لا سيما الخيرية، حيث يتم إغداق قدر من أموال النذور أو الصدقات أو التبرعات بين وقت وآخر. فإن لم يحدث، فالشارع كفيل بهم.

كفالة الصغار رسميًا عبر توفير تعليم جيد وطعام صحي وكسوة للشتاء وأخرى للصيف ووظيفة ميري حين يكبرون لم تعد ممكنة. وموارد الدولة وبنيتها التحتية وقدراتها الاقتصادية تئن منذ عقود من وطأة هجمة المواليد الشرسة. واليوم، وبعد تحول الهجمة الشرسة إلى صراع محموم وحراك مجنون لتوسيع قاعدة الأسر الأكثر فقرًا، فإن الأمر يحتاج إلى وقفة حقيقية.

حقيقة الأمر تشير إلى تغلب أدعياء الدين المتطرفين الذين تمكنوا من إقناع كثيرين بأن تنظيم الأسرة حرام. كما تؤكد أن جهود تنظيم الأسرة التي كنا ننتقد ضعف أدائها نسبيًا قبل ثورة يناير تعاني وهنًا كبيرًا وعرقلة رهيبة. ونضيف إلى ذلك عاملًا بالغ الخطورة، ألا وهو تصاعد الاحتقان بين الطبقات أخيرًا. عن نفسي، وأنا دافعة ضرائب يفترض إنها توجه إلى تحسين مستوى الخدمات العامة، غير راضية عن تخصيص هذه الأموال المقتطعة من راتبي لإطعام أبناء السيدة التي تعتبر ضخها طفلاً كل عام رزقًا، أو لمساعدة أبناء المدرس الخمسة، الذي يدافع عن رؤيته الدينية بحرمانية التنظيم، ووجهة نظره الحقوقية بأن ضلوعه في سباق الأرانب حرية شخصية.

الحرية الشخصية على العين والرأس. لكن حين تبدأ حريتك الشخصية في الاعتداء على ما في جيبي، والمخصص لي ولأسرتي رغمًا عني، فإنها تتحول وبالاً عليَّ وعليك وعلى من حولنا. سن القوانين لتنظيم الأسرة بات ضرورة، وعلى راغبي ضخ المزيد من المواليد تحمل تبعات رغباتهم.

إعلان