إعلان

أم كلثوم وعبدالناصر

أم كلثوم وعبدالناصر

أم كلثوم وعبدالناصر

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 04 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"أم كلثوم ثروة قومية، ليس لها مثيل في التاريخ الحديث على مستوى العالم العربي". تلك حقيقة يُدركها عشاق السيدة أم كلثوم التي مرت علينا في الثالث من هذا الشهر ذكرى رحيلها الثالثة والأربعون.

ولكن الأمر ذو الدلالة أن نعرف أن صاحب ذلك الحكم القطعي هو الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي كان يملك شغفًا شخصيًا تجاه كافة أشكال الفنون، وبخاصة الغناء والسينما والمسرح، وكان يرى أن الصراع السياسي الذي يخوضه داخليًا وخارجًيا، وعملية التحول الاجتماعي التي يريدها، ومعركة البناء الاقتصادي- تحتاج إلى روح قوية، وتلك الروح لا يمكن بناؤها إلا بالفن والثقافة، ومن هنا كان تقديره الكبير لهما.

ولا أظن أن رئيسًا مصريًا امتلك ذلك الموقف الإيجابي من الفكر والثقافة، مثل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي كان بتكوينه المعرفي وقدراته الفكرية ينتمي إلى النخبة المثقفة، ويُدرك دورهما في تشكيل الشخصية والهوية والوعي.

في حين لم تعد الثقافة والفنون أولوية لدى رؤساء مصر اللاحقين، بل مجرد ديكور لتجميل الصورة، ولهذا ضعفت منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي روح القراءة والاهتمام بالثقافة بين المصريين، وتراجع تذوق الفنون والآداب حتى بين أعلى الفئات التعليمية، وُمسخت، وشوهت الشخصية والثقافة والهوية الوطنية، وفقدت مصر أهم عناصر قوتها الناعمة في العالم العربي، وتراجع دورها ومكانتها.

تلك كانت مقدمة لا غنى عنها لربط الماضي بالحاضر، ننتقل بعدها لسرد بعض جوانب العلاقة الخاصة التي ربطت الرئيس عبدالناصر بالسيدة أم كلثوم، وأظهرت تقديره الخاص لشخصها وفنها، وقد رواها السيد "سامي شرف"، سكرتير الرئيس عبدالناصر للمعلومات في الجزء الثاني من كتابه "سنوات وأيام مع عبدالناصر".

وقد ذكر أن علاقة السيدة أم كلثوم بالرئيس عبد الناصر كانت قوية للغاية، وأنها كانت تتردد على بيت الرئيس في منشية البكري في أي وقت، وأحيانًا بدون مواعيد سابقة، لتلتقي به أو بأفراد أسرته أو بالسكرتارية الخاصة به، لتعرض رأيًا أو فكرة أو مشكلة، ترى ضرورة نقلها للرئيس بلا حساسيات.

كما يروي "السيد سامي شرف" الملابسات التي أحاطت التقاء أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب في أغنية "إنت عمري"، وبتخطيط وطلب مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان أحد أحلامه أن يلتقي هذان القطبان الكبيران من أقطاب الفن المصري في عمل مشترك، يُجسد أصالة وعظمة الفن المصري والعربي.

وقد تحقق هذا اللقاء عام 1964، وخرجت أغنية "إنت عمري" للنور، وكان تعليق الرئيس عبدالناصر بعد الاستماع إليها: "لقد استطاع فن محمد عبدالوهاب وفن أم كلثوم الناصر أن يجمع العرب من المحيط إلى الخليج".

وفي أعقاب نكسة 1967، تجلى بأوضح ما يكون دور الفنان في خدمة بلاده، والوقوف بجانبها في أزمتها، عندما قررت السيدة أم كلثوم القيام بدور إيجابي لدعم المجهود الحربي، بإقامة عدد من الحفلات في الخارج، يكون إيرادها لصالح إعادة بناء القوت المسلحة.

وهنا قامت الدولة الواعية ممثلة في شخص رئيس الجمهورية، بتكريم السيدة أم كلثوم على نحو غير مسبوق؛ إذ أصدر الرئيس عبدالناصر قرارًا بمنح السيدة أم كلثوم جواز سفر دبلوماسيًا، وجعلها سفيرة لبلادها شكلًا ومضمونًا، ومجازًا وحقيقة.

ويروي السيد سامي شرف أن السيدة أم كلثوم احتبُس صوتها عندما اتصل بها ليخبرها بالقرار، تأثرًا بتلك اللفتة الكريمة، وهذا التقدير الخاص لها من الدولة والرئيس عبدالناصر.

رحم الله الغائبة الحاضرة السيدة أم كلثوم، ورحم الله الغائب الحاضر الرئيس جمال عبدالناصر، ورحم الله ذلك الزمن الذي اعتقدت فيه الدولة بأهمية الثقافة والفنون، ورأت فيهما أداة لتشكيل الوجدان والوعي، وجعلتهما أولوية قصوى رغم ازدحام وتسابق الأولويات على أكثر من صعيد.

إعلان