إعلان

وحدي في السينما

وحدي في السينما

منى سلمان
09:22 م الإثنين 26 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لم يكن الذهاب إلى السينما وحيدة على تلك الدرجة من السوء التي تصورتها، فلو لم يكن قد أصبح طقساً اعتيادياً ربما ما كنت سأستطيع أن أستجمع ذاكرتي وأدرك في خيالي العلاقة بين دانيال داي لويس وعبد الحليم حافظ. 

وجه منحوت وعيون عميقة تجمع نظرتها بين الجرأة والخجل، لكنها لا تخفي ألماً عميقاً يُلقي بخُطافه في قلب امرأةٍ ويخبرها أنها وحدها التي تستطيع أن تضمد جراحه، وفي اللحظة التي تلتقط طعم الشغف المطل من عينيه تنبت الزهور وتغرد البلابل على طريقة أفلام الكارتون 

فإذا أضفت للقائمة رالف فينيس، صالح سليم، أحمد مظهر وآسر ياسين... هل يمكنك أن تتخيل وجوهاً أخرى لعشاق قتلهم الغرام؟!

هل أخبرتكم من قبل أنني في حياة سابقة كنت قد منحت رجلاً عمراً كاملاً في مقابل نظرة من هذا النوع؟! ورغم أنه لم يكررها إلا أنني لم أيأس وظللت أفاجئه في أوقات مختلفة وأخترع مناسبات رومانسية لعلي أحظى بها مرة أخرى ولو على سبيل المصادفة، ولكن دون جدوى ! 

ربما لهذا السبب توقفت أمام عماد حمدي، رغم أنني لا أعرف الكثيرات من بنات جيلي وربما حتى من جيل أمي ممن تعلقن به، لا أنكر أنني كنت واعية لأنه يصلح أن يكون أباً مثالياً أكثر من كونه حبيباً، فالثقة التي يعكسها وجهه الطيب ونظرته الحانية تقول لحبيبته إنه ليس عليها أن تقلق وأن كل شيء سيكون على ما يرام، لكن دعونا نعترف أن ذلك في أحيان كثيرة قد يكون أقصى ما تطمح إليه الفتاة ...

أما يحيي شاهين فكلما تذكرته وهو يبكي أمام حبيبته "ماجدة" ويرتجف بطريقة لا تتناسب مع هيئته المهيبة وتكوينه الضخم فلا أملك إلا أن أتذكر حكاية الجميلة والوحش وأشفق على مصيره، ورغم أن كمال الشناوي كان يشبه فارساً عصرياً للأحلام خصوصاً عندما تغني له شادية، لكن نظراته المراوغة كانت تقول: تعرفين أني أخدعك، ولكن الأمر ليس شخصياً... فلنبقِه إذن في حدود التمثيل ولا داعي للضغائن أو الجراح .

لم أضبط نفسي أبدا متعلقة بالنجوم من ذوي الوسامة الفائقة، ربما لأنني لست جميلة بما يكفي لأن أتخيل نفسي في صورة مع أحدهم تشبه صور عمر الشريف وفاتن حمامة أو أنور وجدي وليلى مراد أو ريتشارد برتون وإليزابيث تايلور أو حتى حسين فهمي ومرفت أمين، أو ربما لأن لدي قناعة أن رجالاً بهذه الوسامة لا يبتسمون بشغف إلا لعدسة الكاميرا أو لصورتهم في المرآة ... بالطبع أنتم تعرفون جيدا ما فعله هؤلاء الوسيمون لاحقاً بقلوب حبيباتهم الفاتنات، ما جعل "فاتن" تحرص على ألا يتذكر أحد صورة تجمعها بالطبيب الذي داوى قلبها وعاشت معه ونكاد لا نعرف ملامحه، ومارست "ليلى" هواية النساء الحزينات في اكتساب الكيلوات ومحاولة الاختفاء، وراقبت "سامية" بحسرة الزهور التي كانت تكتب عبارة: "سامية بتحب رشدي" كل صباح وهي تذبل، بينما تكفلت "ليز" و"مرفت" بالانتقام للجميلات.

ستسألون بالطبع عن نجوم جيلينا وموقعهم في القائمة؟! الحقيقة أنهم بدواْ عاديين تماما، وواقعين بدرجة أكثر مما يناسب امرأة تحب الحكايات، كما أن حبيباتهم لم يكنّ ساذجات ليتوقعن منهم الكثير، فبقي الأمر مرهوناً بنهاية السهرة اللطيفة والفيلم .

**************

آه ... لم أخبركم أيضاً أنني في حياة سابقة تمنيت أن أكون ممثلة لأستطيع أن أخرج هذا الزحام من الشخصيات التي تتصادم تحت جلدي ولا يكفيها عمر واحد، فأكون المرأة والرجل، القديسة والخاطئة، الضحية والجاني، وليصبح عمرُ أقسى ألم هو نهاية الفصل أو انطفاء ضوء الكاميرا .

كما تمنيت كذلك أن أكون كاتبة للروايات، فأخلق شخصياتي، أتحكم في مصائرها وأعيش أعمارها عمراً عمراً وأرتكب خطاياها وآثامها مجتمعة، ثم أمنحها نهاية جليلة تشبه نهاية "جرنوي" بطل رواية العطر، ومن يدري ربما كنت سأصبح كاتبة عظيمة تعيد خلق أسطورة الرجل الأول والمرأة الأولى اللذين كانا كيانا واحدا وانفصلا مخلّفين حنيناً لاذعاً لم نستطع تجاوزه وبقينا نتحايل عليه بالبحث عن نصف آخر مزعوم في قصة متكررة تنتهي بفشل مؤلم، أو بنهاية أكثر فجيعة حين تنكسر أطراف "البازل" ونحن نحشرها عنوة لنقنع أنفسنا أننا وجدنا النصف المتطابق فينتهي الأمر بعاهة مستديمة وحنين مقيم، ربما كنت سأكتب لها نهاية مختلفة توفر علينا كل هذه المرات من الألم، كأن يظلا ملتصقيْن أو أن يكونا منفصليْن من البداية وصالحين للتطابق مرات متعددة !

لكني وللحظ السيئ لم أكن موهوبة بما يكفي لكي أصبح ممثلة أو كاتبة روايات، و لم يتبق لديَ إلا عمر واحد محدود بعدد السنوات، لذلك لم تعد لي إلا أمنية مستحيلة، أو معجزة تظهر اكتشافا كونيا مخفيا، يمكننا من العودة للبداية عند كل إخفاق أو ألم ... شيء يشبه "الريستارت"، مع إعدادات وقائمة خيارات تمكنني من ارتكاب حماقات أكثر بدلاً من الندم على حياة بلا حماقة تذكر، أو أن أقوم مثلاً بغرس نصل حاد في معدة أحدهم، ثم أربّت على ظهره وأطمئنه بأنه سيصبح أقل قسوة في حياته التالية بعد أن ذاق الألم.

على كل حال لو لم أتصالح مع الذهاب وحيدة إلى السينما وأقابل في تلك الليلة دانيال دي لويس كيف كنت سألاحظ أبداً هذا الشبه بينه وبين عبدالحليم حافظ ؟_ فرغم تنمّره على حبيبته ومحاولاته التخلص منها _ كلاهما يسكن في عينيه طفلٌ يتيمٌ وحزين، لكنه قادرٌ على الإيذاء.

إعلان