إعلان

داعش... بعد عام على سقوط العاصمة "الرقة"

محمد جمعة

داعش... بعد عام على سقوط العاصمة "الرقة"

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 21 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مر عام (أو أكثر قليلاً) على خسارة "داعش" لمدينة الرقة السورية، التي كانت في يوم من الأيام العاصمة الفعلية لخلافته المزعومة. ومنذ ذلك الحين أُجبِرَ التنظيم على العمل من الأطراف مثل أي جماعة إرهابية مسلحة أخرى تعمل وفق تكتيك الكر والفر.

لقد ولت تلك الأيام التي كانت فيها أشرطة الفيديو الدعائية لداعش تتباهى بالبلدات والمدن الواقعة تحت سيطرة التنظيم، وتوفير الخدمات له، والعائلات التي تستمتع بالنزهات تحت "حكم الخلافة"، وإمدادات لا نهاية لها من المقاتلين الأجانب الذين كانوا يحثون الآخرين بدورهم على أن يحذوا حذوهم.

وكانت خسارة الرقة بمثابة ضربة قوية لصورة داعش التي تم بناؤها خلال الفترة ما بين 2014:2016، وكان لها تأثير فوري على آلة الدعاية سيئة السمعة الخاصة بالتنظيم.

مع ذلك لا يزال "داعش" حتى هذه اللحظة أبعد ما يكون عن الانتهاء أو التقويض الكامل. والشاهد هنا أن داعش يعمل باستمرار، في رسائله الإعلامية للمؤيدين، على وصف هزيمته بأنها نكسة مؤقتة وأن من شأنه أن يتعافى تمامًا في مقبل الأيام. ويبدو أن مجرد التمسك بالتنظيم هو الرسالة الدعائية المقصودة الآن.

من زاوية كثافة الهجمات بعد "الخلافة" تشير الأرقام إلى أن نشاط داعش الإرهابي حدث له صحوة جزئية مقارنة بأدنى مستوى وصل إليه في أواخر عام 2017.

وفى هذا السياق يمكننا أن نقارن بين 159 هجومًا إرهابيًا ادعى تنظيم داعش مسؤوليته عنها (على مستوى العالم) في نوفمبر 2017 (أي الشهر الذي تلا خسارته للرقة مباشرة) وبين الـــ467 هجومًا إرهابيًا زعم التنظيم مسؤوليته عنها في شهر واحد فقط (سبتمبر 2018) أي بزيادة تقارب ثلاثة أضعاف تقريبا. ولكن على الرغم من الارتفاع في عدد الهجمات، فإن تأثيرها لم يعد له نفس مستوى الخطورة والتهديد كما كانت عليه في السابق، حيث عادت المجموعة إلى تكتيكات حرب العصابات وباتت قوتها البشرية أقل بكثير.

أما من حيث جغرافية الإرهاب، أو المواقع الجغرافية للهجمات، فتكفى الإشارة إلى أنه من أصل الهجمات الـ467 التي زعم التنظيم مسؤوليته عنها في جميع أنحاء العالم في سبتمبر 2018، تم تنفيذ 228 من هذه الهجمات في العراق و172 في سوريا، استنادًا إلى إحصاء نشره داعش نفسه.

أما هجماته الأكثر دموية وقسوة هذا العام، فوقعت في أفغانستان، حيث أثبتت "ولاية خراسان" الداعشية أنها الأكثر فعالية من بين جميع فروع داعش. كذلك شهدت كل من الصومال والفلبين زيادة في نشاط داعش هذا العام. ولهذا أعطى قيادة التنظيم كلا البلدين وضع "الولاية"، أي الفرع الرسمي، في يوليو 2018، ما يشير إلى تطور وضع الأفرع في البلدين على سلم توابع داعش في العالم.

من ناحية أخرى، لم يتمكن تنظيم داعش هذا العام (خلافًا للمخاوف والتوقعات التي ترددت أواخر عام 2017) من تركيز الهجمات على الغرب كرد فعل انتقامي (سواء وفق تكتيك الهجمات المنسقة أو الذئاب المستوحدة) مقارنة بالسنوات السابقة.

وكانت إحدى عملياته الرئيسية هذا العام خارج نطاق نشاطه المعتاد، هجمات 22 سبتمبر2018 في إيران التي استهدفت عرضًا عسكريًا في مدينة الأحواز الجنوبية الغربية، ما أسفر عن مقتل 25 شخصًا على الأقل.

*أما من زاوية العملية الدعائية لداعش، فالمعروف أن التنظيم اشتُهر بأمرين هما: وحشيته، وأسلوبه الإعلامي المتطور... بل يمكن للمرء أن يجادل بأن إدارة داعش لوسائل الإعلام هي أحد أهم المؤشرات التي يمكن من خلالها الوقوف على " قدرة " الجماعة، أو ما تبقى لها من قدرة على الفعل والتنظيم. وفى هذا السياق يمكن القول بأن إنتاج التنظيم الإعلامي قد شهد انخفاضاً حاداً خلال الأشهر التي أعقبت خسارته للرقة. حيث فشل التنظيم –عقب تلك الخسارة- في إصدار مجلة غير عربية، والتي اعتاد أن تكون سمة رئيسية للعملية الإعلامية لدى داعش.

لكن منذ يناير 2018، بدأت الآلة الإعلامية للتنظيم تظهر علامات على الانتعاش التدريجي، من حيث مدى تواجدها، ومن حيث جودة الإنتاج.

فعلى سبيل المثال، منذ إبريل 2018، يقوم داعش بتقديم ترجمات باللغة الإنجليزية بشكل منهجي لإنتاجه اليومي من الوسائط العربية عبر شبكة تابعة له من قنوات تليجرام تسمى "وكالة أنباء الناشر-الإنجليزية". كما يتم توفير الترجمات الفرنسية الآن من قبل وسيلة إعلامية شبه رسمية تُدعى مركز النور للإعلام.

وفى السياق ذاته، بث داعش، في سبتمبر 2018، نحو 894 رسالة عبر وسائل الإعلام (ادعاءات بهجمات وصور ومقاطع فيديو وغيرها) مقارنة بـ774 في سبتمبر 2017، أي قبل شهر من فقدان الرقة.

ولهذا ليس من قبيل المبالغة القول بأن داعش بعد عام من خسارة عاصمته لا يزال أكثر التنظيمات صخبًا وأعلاها صوتاً على الأرض وعلى الإنترنت... والأكثر من ذلك أنه وبسبب خسارته الكبيرة للأراضي، من المحتمل أن يواصل داعش الاستثمار بكثافة في جهوده الإعلامية، جزئياً لتضخيم تواجده المتضائل على الأرض، وإبقاء مقاتليه ومؤيديه وتوجيه نداءات للمجندين الجدد.

إعلان