إعلان

شاشات "روض الفرج" و"راينز بارك"

شاشات "روض الفرج" و"راينز بارك"

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 11 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قد تكون التقنية هي نفسها. وربّما الشاشة هي ذاتها. والكائن الآدمي المتابع لها يُفترض أن يكون ذا تركيبة متشابهة من حيث الأعضاء والأجهزة البشرية. وإذا أضفْنا ما نحب أن نُضيفه دائمًا وأبدًا من تفرّدنا بالورع وتميّزنا بالتديّن وتفوقنا في أننا إلى الله أقرب، نكون بذلك قد تأهّلنا إلى الدور الممتاز في دوري تأمين الأمم والممالك.

في المملكة المتحدة ذات الاقتصاد القوي والقانون الصارم لا يُسمح بتواكل موظف عام (يسمونه خادمًا عامًا حتى لو كان باشوزير). كل بنس (قرش ولكن يساوي 24 ضعفًا) يُنفق من المال العام (مال الشعب) ينبغي أن يُنفق في مكانه وبالشكل الأمثل دون إهدار أو إهمال أو "معلش أصله راح يصلي" أو "حصل خير ماخدش باله كان نايم".

وقد شابت تحركاتي مع شقيقتي العزيزة بسيارتها في مربع واحد في منطقة "راينز بارك" في لندن، الأسبوع الماضي مرّات عدّة بحثًا عن مكان لإيقاف السيارة شبهة، ما جعلت سيارة شرطة تظهر فجأة لتقصّي الموقف. لم يكن الشرطي والشرطية مأنتخين على مقهى يتابعان ما أرسله الأصدقاء من فيديوهات تستحق المشاهدة. ولم يكنا منهمكين في تحدٍّ كبير اسمه "كاندي كراش" أو "المزرعة السعيدة". لكنهما كانا في مكان ما غير مرئي، وتم إبلاغهما بطريقة ما أن كاميرات المراقبة رصدت حركة غير طبيعية في تلك البقعة.

وفي بقعة أخرى وقبلها بأيام قليلة، وتحديدًا محطة مترو أنفاق "روض الفرج" كان موظف الأمن المسئول عن مراقبة شاشة جهاز الكشف عن المفرقعات يتطاول لفظيًّا على شخصي الكريم لأنني أنبته لانشغاله عن مراقبة الشاشة بهاتفه المحمول حيث كان يشاهد فيديو ما أو يلعب لعبة ما بالتعاون مع زميله. وبغض النظر عن الترهات التي تفوه بها من "مالكيش دعوة" و"لديّ القدرة على معرفة محتويات الحقائب دون النظر إلى الشاشة"، ناهيك عن مرور عشرات الركاب المحملين بحقائب دون وضعها على الجهاز من أصله، فإن المراد قوله هنا، هو أن كلفة الجهاز الموضوع في "روض الفرج" وذلك الموضوع في "راينز بارك" في لندن (حيث أثارت شقيقتي الريبة بسيارتها) تقريبًا واحد (رغم اختلاف التقنية).

لكنَّ تركيبة موظف الأمن (الذي أكد في حديثه بعدما صعدت الموضوع لمسئولي الأمن في محطة الشهداء، أنه متفان في عمله ويكفي أنّه لا يُفوّت صلاة!!) تختلف عن تركيبة ذلك الجالس هناك في بلاد بعيدة. قد يكون الأخير غير مسلم، أو مسلم ويُفوّت صلاة ولا تحمل جبهته الزبيبة المهيبة التي يحملها موظف روض الفرج، لكنه يقوم بعمله كما ينبغي. ولو لم يقم بعمله، فهناك بدلًا من الرقيب عشرة، وبدلًا من أسلوب التقويم والعقاب العشرات، وذلك لأسباب عدة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أن المال العام الذي استُخدِم لشراء كاميرات المراقبة هو مال دافعي الضرائب ولا يُسمح بالعبث به أو إساءة أو إهدار استخدامه. ثم إنَّ تأمين الناس والشوارع والمدينة والدولة ليستْ مهمة الكاميرات وحدها، لكنها كذلك مهمة العناصر البشرية التي إن تهاونتْ جرى ما لا يُحمد عقابه.

أصوات عديدة تطالب في مصرنا في السنوات الأخيرة بضرورة تعميم كاميرات المراقبة، سواء لأغراض مرورية أو لأهداف أمنية. كلام جميل. ولكن ماذا عن العنصر البشري المتابع للكاميرات؟! هل سيعتبر انصرافه لأداء الصلاة سببًا كافيًا ليردع الإرهاب لحين ينتهي من صلاته؟ وهل سيفضل متابعة الكاميرات بدلًا من إحراز المزيد من النقاط في "كاندي كراش" أو مشاهدة الفيديو الرهيب الذي أرسله الصديق؟ وهل مفهوم المال العام وارد أصلًا؟!

ملحوظة: المملكة المتحدة مراقبة بـ85.1 مليون كاميرا (أغلبها مملوك لشركات وأفراد لكن وقت الحاجة يتم اللجوء لتفريغ محتوياتها) وذلك بمعدل كاميرا لكل 11 بريطانيًّا.

إعلان