إعلان

الارتطام الرئاسي الكبير

الارتطام الرئاسي الكبير

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 04 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كنت أظن أن هسْهسْنا الرئيسي ووسْواسنا الوحيد لا يخرج عن إطار دخول الحمام بالرجل الشمال والخروج باليمين، وغيرها مما يندرج تحت بند الهوس بمظاهر التدين. لكن الأيام القليلة الماضية والحالية أثبتت أن جراب الهسْهسْ لا ينضب، وإلا ما هذا الذي يحدث فيما يتعلق بكل ما ومن يتعلق بالترشح الرئاسي؟

والهسْهسْ الرئاسي المشار إليه في هذا الصدد لا يتعلق بالدوائر الرسمية. فليست لدي- وكذلك الحال لدى الغالبية المطلقة من المصريين وغير المصريين- ردود الفعل في القصر الرئاسي والدوائر الرسمية المصرية. لكن هوجة عارمة من الصخب المصري الهادر تبرهن أن هناك ولعًا مفرطًا وانتظارًا مشتعلاً (يصل أحيانًا إلى درجة التصيد والتربص والتحفز) بمسألة الانتخابات الرئاسية المصرية.

الانتخابات الرئاسية المصرية التي باتت مرتبطة في أذهان المصريين بنقيضين: أولهما جامد ثابت لا حياة فيه، والثاني صاخب متحرك لا قواعد تحكمه أو منطق يعقله. فمن نحو ستة عقود من الانفصال شبه التام بين عملية اختيار الرئيس والمرؤوسين أي الناخبين المصريين، إلى ستة أعوام من الاتصال والانغماس والانخراط والانفعال في التفاصيل الصغيرة لاختيار الرئيس. صحيح أن التفاصيل الكبيرة تبقى بعيدة، لكن شتان بين النقيضين. عقود طويلة من الرئيس تحصيل الحاصل تلتها سنوات قليلة لكن ثقيلة من المفاجآت والألغاز والتربيطات والمصالح انقلاب الموازين جعلت الانتخابات الرئاسية أشبه بالملف الشعبي المتداول بين الجميع لكن دون أن يفتحه أحد.

ملف الانتخابات الرئاسية مازالت تحكمه شعبيًا إما طوارئ الضرورة، أو قواعد الدين وصكوك الجنة، أو الوله الثوري غير واضح المعالم، أو نوستالجيا الماضي، أو الانتقام الإقصائي وأخيرًا وليس آخرًا الراحة النفسية. وتفاصيل ثقافة الانتخابات الرئاسية حديثة المنشأ مازالت حاضرة في الأذهان من فصيل يختار الرئيس حافظ القرآن حامل سجادة الصلاة ذا اللحية والزبيبة لأن "مصر إسلامية لا شرقية أو غربية"، حتى وإن كان فاقد الأهلية السياسية ومسلوب الإرادة التكتيكية ويدين بالولاء للجماعة لا للوطن، وآخر ممسك بتلابيب زمن الماضي الجميل حيث بقاء الحال على ما هو عليه سواء للحفاظ على مكتسبات ومصالح أو لأن "اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش"، وثالث متأرجح بين "إسلامية بس مش أوي" و"مدنية نصف نصف" حيث المرشح فاقد اللون والطعم والهوية وإن ظل يحمل هوى الدولة الدينية، ورابع مخبول بأمير الجماعة الذي وعد مريديه بأنهم "سنحيا كرامًا" وإنه سيأتي لهم بـ"أختهم كاميليا" لينكحوها ويضاجعوها نصرة للدين وإعلاء للمتدينين، وخامس لم يعد يرى أو يسمع أو يشم سوى الثورة وحتمية التغيير، وضرورة قلب الأوضاع المعوجة عبر الفكر الثورة والإرادة الثورية والأيادي الثورية وإن ظل جميعها دون مضمون منزوعة المحتوى، وسادس لا يتحمل كلمة أو يتقبل انتقادًا أو يهضم اعتراضًا على مرشحه وكأنه مرشح السماء منزه عن الأخطاء، وهلم جرا.

وقد جرى العرف في الدول الديمقراطية ذات التعددية أن يستعد الجميع- مرشحون وناخبون ومؤسسات وأحزاب- للانتخابات الرئاسية منذ وصول رئيس ما للحكم، أي تبدأ الاستعدادات في بداية الفترة الرئاسية. فالرئيس الحالي وحزبه ومؤيدوه يسعون للإبقاء عليه في فترة جديدة (إن كان الدستور أو القانون يسمحان). والآخرون يسعون إلى فوز مقبل. لكن هذه الاستعدادات لا تعتمد على مشاعر فياضة تجاه هذا المرشح، أو انتقامات مبيتة تجاه المنافس، أو غسل دماغ يرتدي عباء الدين. هي ترتكز على تقييم أداء، وبرنامج سياسي، ووعود انتخابية يحاسب عليها، وقائمة طويلة من القواعد.

لكن القواعد المصرية تسير في اتجاهات مغايرة. ربما لأن مصر خالية من الأحزاب (باستثناء الوجود الكرتوني). وربما لأن مصر في وسط ترسيم لشرق أوسط جديد. وربما لأن مصر طلعت من دار الجمود السياسي لنار الهياج السياسي والأمني والاقتصادي. وربما لأن ثقافتنا لا تحوي قواعد للحوار والخلاف والاختلاف. فالمختلفون إما يتخاصمون أو يتقاتلون أو يكفرون بعضهم البعض.

البعض ممن يعرف معنى الانتخابات ينصح بأن ترشح أحدهم لا يعني بالضرورة خيانة أو مؤامرة أو تفتيتًا أو حربًا، طالما أن الدستور والقانون يسمح له. فصاحب السوابق، وتاجر الدين، والنصاب، والضابط في الخدمة، وغيرهم لا يحق لهم الترشح أصلاً. صحيح أن النوايا قد تبطن شرورًا وأهواء، لكن البرامج الانتخابية، والخبرات المكتسبة، والجولات الشعبية، وسابق الأعمال تكشف بعضًا من المستور. وما تبقى من يتم الكشف عنه في لجان الانتخاب عبر اختيار الشعب. تعددوا وترشحوا وانتخبوا، تصحوا! لا داعي لأن تكون الانتخابات الرئاسية المصرية أشبه بالارتطام الكبير في الكوكب!

إعلان