إعلان

المعاني غير المرئية لانتخابات الأندية الرياضية

المعاني غير المرئية لانتخابات الأندية الرياضية

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 24 نوفمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

سيدهشك ما تراه بينما تعبر بكل هذا الكم الضخم من اللافتات ممتدة بطول الشوارع والكباري الكبيرة وبعض الطرق المؤدية لمقرات النوادي الرياضية لتسأل لماذا كل ذلك الإنفاق الكبير ثم الإمعان فيه وما الهدف؟ سيكبر السؤال مع ظهور الحملات على الشاشات وتكرار نشرها، ثم والأهم تضخم محتوى الصحف وبرامج الرياضة وبما يستحق التوقف عجبا وعجابا من تحيزات واضحة كشمس منتصف النهار لهذا الشخص أو ذاك، ستفكر كيف يمكن لكل هذا أن يكون مجرد تعبير عن حب أو تقدير وأنه من قبيل عاديات الأحوال في تأييد قائمة أو شخص؟ لأن الوضوح والتكرار سيحول دون طفولة الإجابات.

تتابع فتدرك أن كثيرين جدا من أصحاب الأموال الكثيرة والأعمال الكبيرة، بل والوظائف التي يبدو من ذكرهم لها دعما لرغبتهم في تأكيد قيمتهم الاجتماعية، جميعهم وقد قرروا المشاركة حبا وفداء للنادي ومن أجله يضحون بل ويتركون كل شيء وأي شيء ، وقد أبعدوا في إصرار -يليق بمحب- كل ما يكون في عرفهم هاما أو ملحا من أجل عمل تطوعي هو عضوية أو رئاسة الأندية، تقول لو أن شيئا من ذلك يحدث في مختلف جوانب حياتنا الاقتصادية والاجتماعية لتغير الحال كثيرا وتسارعت وتيرة ما نستهدفه من منجزات، لكن يبدو أن العطاء لدى البعض مشروط غالبا بالأندية أو بالأحرى الكرة قدمًا وفقط وليست طائرة أو ما سواها.

لن تجد إجابة سهلة تطفو على سطع عقلك وأنت تداعب الاحتمالات المفسرة، تفكر هل هو ملل العمل لدى البعض أو وزهد جمع الأموال التي تتدفق يسرا، مصحوبة بترف الاسترخاء تدعمها الرغبة في الاستراحة التي هي بين شوطي كل مباراة وتنقلها الكاميرات والصحف والإذاعات حصرا، ثم الفرحة التي تكسو الملامح عندما يسلم كأسا أو يتسلم درعا، ثم منتهى التحقق انشغالا بوضع ميداليات الفوز والانتصار في أعناق اللاعبين؟

تبحث وتظل تسأل: هل كل هذا الجهد مرده أن عضوية مجالس إدارات الأندية ورئاسة مجالس إدارتها صارت مغرية ومهمة ؟ ثم إنها وفى المقابل تمنح من يتولونها شيئا كبيرا خارج دائرة الانشغالات بشئون مجرد نادي رياضي، مقره هنا أو هناك، ومهما كبر حجمه وتضخم اسمه؟ السؤال محير تماما، ماذا وراء كل هذا الاهتمام والجهد والتنافس والقوائم والمنابذات والتشاحنات والبغضاء تلك التي تظهر وتختفي وتنقل عبر وسائل الإعلام لتبقى؟ وهل هي وجاهة الحضور أم رغبة في النفوذ والتواجد على الشاشات والقنوات مصحوبا بتصور أن من يطلق الكلمة الحاسمة في شأن لاعب تتابعه ملايين المشجعين؟

إن أصعب ما يمكن أن تشاهده في مجال انتخابات الأندية والترويج لقوائمها ومرشحيها، هو هذا الدور الغائب لهيئات مراقبة التحيز في أداء وسائل الإعلام، وعدم التدخل لوقف عملية ضغط المشاهدين والقراء بالدعاية الفجة والسافرة عبر برامج ومحتوى لم يذكر بشكل مباشر أنه إعلان ومدفوع، رغم أنه يقطر ويسيل إعلانا مباشرًا فجًا، تتسع فيه الصفحات وأوقات البرامج لتنثر تحيزاتها ودعايتها بلا خجل أو مواربة كأنها تمنح اليقين.

تنشغل هيئات متابعة ورصد قصور الأداء المهني لوسائل الإعلام بموضوعات اجتماعية وسياسية وثقافية مهمة، ترصد فيها غياب المعايير المهنية وتنسى أن مجال الكرة في محتواه الإعلامي هو شأن خطير من زاوية أن جمهور هذا المحتوى يغلب عليه طابع الشباب. وأن ذلك قد يمرر ويرسخ فكرة التحيز بل والتعصب ويمضى بها تلقائيا نحو غايات أشق وأخطر، وقد أفضت سابقا إلى كوارث وضحايا.

ثم أن أيضا ما يجرى ضخه من إنفاق مالي في حملات انتخابات الأندية يحتاج إلى جهات مراقبة تسأل وتستفسر عن مصادر كل هذا الإنفاق وهدفه، وكيف تضخم الإنفاق الإعلاني والدعائي خارج مساحة مخاطبة وتعريف الجمعيات العمومية للأندية، وحيث يبدو المشهد مرتبكا معقدا ومليئا بما يصنع الحيرة، لأنه يخصم من المساحة التي تخص دعم مشاركة المواطن في مجالات العمل العام والخدمي، عبر تضمين جمل تتناثر في دعايات قوائم الأندية لتصنع ثابتًا متخيلًا وترسخ حالة مفادها أن الكرة ونواديها هي فوق أي شيء وجميع كل شيء، وما أشبه ذلك بشعارات يرصدها التاريخ وقد صنعت تعصبًا واستعلاء في تاريخ البشرية وأسفرت عن كوارث.

انتخابات الأندية الرياضية تحتاج فهمًا أشمل لتحولات منظومة الولاءات والارتباطات بل ودوافع الانتماءات لدى الجمهور وتأثير ذلك على مشاركتهم كمواطنين في الحياة العامة، كما أنها تحمل وتعبر عن مظاهر وإشكاليات اجتماعية وثقافية متنوعة تحتاج تحليلًا وربما تدخلًا.

إعلان