إعلان

خوابير على الطريق

خوابير على الطريق

أمينة خيري
08:50 م الإثنين 16 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يقول خبراء التنمية البشرية (بتصرف): إن في حياة كل منا خابور ما. وكانت الخوابير تأتي فرادى أو جماعات، بأحجام صغيرة أو مقاسات مهولة، على أساس إقامة كاملة أو نصف إقامة.

وفي زمن الأصالة، كانت الخوابير تقتصر إما على حماة تعكنن على زوجة الابن أو زوج الابنة أو زوج(ة) كئيب(ة) بالفطرة، أو مدير شرير أو زميل غليل، إلخ أو تتمثل في صورة خابور سياسي مهيب أو اقتصادي مريع يتجرعه الشعب غصبًا دون ممانعة كبرى.

لكن في زمن المعاصرة، وفي سنوات ما بعد ثورة يناير، تشعبت الخوابير وتنوعت وصار في حياة كل منا مجموعة منها. بعضها يأتي في ليل الخميس البهيم حيث قرارات حكومية بزيادات مادية أو ترتيبات ضريبية ما أنزل الله بها من سلطان. وبعضها يهل علينا عبر الأثير، فيما بات يعرف بـ”الخابور الاستراتيجي” أو “الاقتصادي” أو “الأمني” أو “العلاقات الأسرية” إلى آخر منظومة الخوابير الإعلامية التي تقيم في بيوتنا غصبًا وعدوانًا.

وهناك من الخوابير ما ينمو ويزدهر في بيئات تشح فيها المعلومات وتهزل فيها الخبرات وتنتعش عبرها الطفيليات وتزدهر خلالها الإمَّعات التي تتأرجح بين ذات اليمنى وذات اليسار، بحسب اتجاه الرياح السياسية والمصالح الشخصية.

وتظل هناك الخوابير الأكثر انتشارًا والأعتى ازدهارًا (وللعلم الأعمق آثارًا) في أيامنا هذه وهي الخوابير الشخصية. فتجد على صفحتك العنكوبتية أو جلستك الاجتماعية أو حتى في تجمعاتك الأسرية والسكنية خوابير تتجلى في صورة صديق يفتيك في أدق شئون الدين، وقريب يخبرك بما قالته فتح لحماس أثناء توقيع المصالحة وكأنه كان يتبوأ المقعد بينهما، وثالث يحذرك من وهم العاصمة الجديدة ويجزم لك جزمًا لا ريب فيه إنها بنيت لتختبئ فيها الجهات السيادية بعيدًا عن الطبقات الشعبية من جهة، والأعداء الكونية من جهة أخرى، وهلم جرا.

وقد جرى العرف المصري في الآونة الأخيرة على استقاء المعلومات والاستزادة من التحليلات عبر "قالك" و"بيقولك" و"بيقولوا". وعلى الرغم من أن منظومة “القولان” ليست جديدة على مجتمعنا الميمون، إلا أنها اتخذت أبعادًا سرمدية وشطحت في أجواء غير منطقية وكونت لنفسها قواعد شعبية قادرة على جذب الملايين عبر دقة زر هنا حيث “لايك” أو “شير”.

ولننظر إلى “فيسبوك” الذي كادت تشعل أركانه لفرط الاحتكاكات والاحتقانات والاهتراءات التي عمته على مدار أيام انتخابات اختيار المدير العام لمنظمة “يونسكو”.

كم الإفتاء والإدلاء بدلو شاطح ناطح وأدلجة المسألة حيث إخوان كارهون لكل ما هو مصري وثوريون رافضون لكل ما هو غير ثوري ومصريون عاديون أخذوا يدونون وكأنهم مقيمون في غرف المرشحين وحاضرون لمجريات التصويت وشاهدون على ترتيبات التستيف.

ورغم أننا “شعب متدين بالفطرة”، ومن بديهيات التدين عدم الكذب وتجنب التضليل ومخاصمة الادعاء، إلا أن ما اقترفناه على هامش انتخابات اليونسكو يخاصم بديهيات التدين وأبجديات الأخلاق.

كم الكذب فيما يختص بانتخابات اليونسكو (ولو من باب زيادة الشير وتنمية اللايك)، والتضليل حول ما يجري ترتيبه تحت الطاولة (ولو من منطلق الإفتاء وإعادة تدوير الآراء والتوقعات باعتبارها معلومات)، والادعاء بأن المرشح القطري دفع أموالًا طائلة أو الدفاع عنه باعتباره أطهر من أنجبت أرض العرب، أو الادعاء بأن السفيرة مشيرة خطاب هي أفضل من أنجبت مصر أو إنها لا تفقه في التربية أو التعليم أو الثقافة (ولو لتعضيد وجهة النظر المسيسة) تعدى مرحلة الخابور الاستراتيجي والتحليلي ليصعد إلى الدور النهائي في خراب الأمم.

وللعلم فإن خراب الأمم لا يحدث فقط جراء الحروب والمؤامرات والاختراقات والديكتاتوريات، لكنه يدق الرءوس بفعل كثرة الخوابير لا سيما تلك التي يتبناها الشعب ويدقها بنفسه في طريقه. إنها خوابير على الطريق، لكنه طريق الهاوية.

إعلان