إعلان

صدام الحضارات ورائحة النفط..!

الكاتب محمد أحمد فؤاد

صدام الحضارات ورائحة النفط..!

03:30 م السبت 10 يناير 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- محمد أحمد فؤاد:

كالعادة، أظن أن التوقف قليلاً عند كتاب التاريخ يساعد حتماً على استشراف ملامح المستقبل..!

استولى الأتراك السلاجقة على القدس في القرن الحادي عشر،. وقد مثل هذا حينها صدمة شديدة للكنيسة التي كانت تهيمن بصورة كاملة على مجتمعات أوروبا كافة. وكانت الكنيسة في تلك العصور دائماً ما تحرص على اقتناء وعرض أيقونات تعكس صورا مخيفة عن جهنم واللعنة الابدية، وتقوم بتوظيفها للتفرقة بين من تقبلوا رسائل وقوانين الكنيسة وسيكون مصيرهم الجنة، وبين من كفروا بها ممن سيكون مصيرهم نار جهنم يتعذبون فيها على أيدي الجن والأشباح..

تلك كانت صورة مبسطة للعالم الذي أمن به أهل أوروبا الذين فرضت عليهم الكنيسة حصاراً من الجهل والظلامية حينها لضمان بقائهم تحت سيطرتها واستمرارهم كمصدر تمويل لا ينضب لخزائنها.. وفي العام 1095 تحرك البابا أوربانوس الثاني مخترع صكوك الغفران مطالباً الالاف من الناس بالتخلي عن كل شيء والذهاب الى القدس لتحريرها من الأتراك السلاجقة.. وبالمقابل فقد وعدهم بالمغفرة في الحياة الاخرى. وقد لبت جموع العوام من الفقراء النداء، وتهافتوا على حمل رايات الحرب الصليبية الاولى وهم يحلمون بكنوز الشرق.. وهكذا نستطيع القول بأن الكنيسة أثارت عن عمد أخطر موجات الكراهية المبنية على التعصب الديني، بإدعائها - على عكس الحقيقة- تعرض الاماكن المقدسة للخطر..!.

وبعد نحو عشرة قرون من الزمان، يأتي الفتى المدلل جورج بوش تاجر النفط وصانع الحروب ليتحدث عشية الحرب على العراق متبنياً مصطلح الحرب الصليبية للمرة الثانية في تاريخ العلاقة بين الشرق الثري والغرب المتعطش للثروة.. وبالرغم من نجاح أعوانه من عصابة المحافظين الجدد في إسكاته لدرايتهم بخطورة هذا المصطلح على مصالحهم الحالية، إلا أن المصطلح عكس تماماً الواقع الذي يثبت أن التاريخ لابد وأنه يعيد نفسه، ولكن بملامح أخرى..! فالعودة للشرق هذه المرة كانت بفعل رائحة النفط في ممالك البترودولار، تلك التي غفل حكامها من الملوك والسلاطين لعقود طويلة عن محاربة آفات الجهل والتشرذم والانقسام المتفشية في بلادهم، وتنمية الوعي الحضاري ونزعة الاعتماد على النفس لدى رعيتهم، ولكنهم أسرفوا في تهيئة مجتمعاتهم لرفاهية زائفة ومصطنعة تزول بمجرد زوال السبب وهو بحار النفط.

ما فعله بوش وأعوانه وأكمله خلفه أوباما في حرب أفغانستان، ومن بعدها العراق لم يحقق ما أعلن عنه الرجل من أهداف، وهي تصفية الإرهاب وهدم محور الشر، بل جاءت النتائج عكسية تماماً، وازدادت شراسة الإرهاب ووحشيته حتى أصبح سرطاناً مخيفاً يلتهم الدولة تلو الأخرى في الشرق الأوسط، وعلى مرئى ومسمع ممن يتعاملون فقط برقم التريليون داخل دوائر حساباتهم الخاصة..!.

ليس هذا فقط، بل أن شيطان الإرهاب أمتد ليطاول عمق القارة العجوز، وتغلغل لداخل عواصمها، لا أظن أنني مضطر لأن أقف في جانب دفاعي أو هجومي خلال رؤيتي الشخصية لحادث شارلي إبدو، فبالرغم من فداحة الحادث ووحشيته، وغبائه أيضاً، إلا أن الأمر برمته فرنسي بحت، وعلى فرنسا الحرة سليلة عذراء أورليان القديسة جان دارك، وصاحبة شعلة الحرية التي أهدتها بلا داعي ولا أدري لماذا فعلت، للولايات المتحدة الأمريكية المتحدثة رسمياً - بقوة السلاح والفيتو- بإسم الحرية والديموقراطية في العالم الجديد، عليها أن تتعامل بحكمة وتجرد مع مردود هذا الحادث الخسيس..!

لا تعجبوا أو تندهشوا مما حدث ويحدث أو سيحدث، فهو بلا شك إرث ثقيل ربما سنحتاج سنوات طويلة لتنقيته من شوائب الدنس الفكري والعقائدي البغيض الذي علق به، وسمح للأخر بالتجرئ على مهاجمته بقسوة وغلظة تحت مسمى حرية التعبير عن الرأي .. ولهذا فالسبيل الوحيد في ظني أن علينا نحن العرب أن نعترف أولاً بالمسئولية عما يخصنا من هذا الإرث من الأحقاد والكراهية المشمولة بالتواطؤ.. ربما لم يخطئ إبن خلدون حين قال: ''إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصيغة دينية أو ولاية أو أثر عظيم من الدين بسبب خُلق التوحش المتأصل فيهم.. وهم أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والإنفة وبعد الهمة والمنافسة على الرئاسة، فقلّما تجتمع أهوائهم''..! ومن هنا بالرغم من قسوة ما قال الرجل، ربما نستطيع أن ندرك من أين نبدأ؟ فبدلاً من دس الرؤوس في الرمال، والاستمرار في عبثية إلقاء اللوم على الأخر، واحتراف التنصل من المسئولية الذي اعتدنا به مواجهة المشاكل والصعاب، ربما حان الوقت لإعادة النظر في التركيبة المجتمعية المهلهلة التي صنعها الحكام، وقبلت بها الشعوب طواعية.

شيطان التطرف ينمو بصورة مخيفة ومدهشة، وهو لا يقف أبداً عند حدود منطقة دون أخرى، فحسب تصريح عن موفق الربيعي النائب عن ائتلاف دولة القانون في العراق، فإن عدد عناصر داعش في مدينة الموصل بمحافظة نينوى شمال غرب العراق يقترب من خمسين ألف من المرتزقة على أقل تقدير، وأن غالبيتهم من العراقيين، ولكن قياداتهم العليا والمتوسطة من الأجانب، هذا بالمقارنة لعددهم الذي لم يتعد خمسة آلاف في يونيو الماضي! وعلى صعيد أخر مشابه نجد أن نحو خمسة عشر ألفا من المتظاهرين قد خرجوا في مدينة دريسدن الألمانية خلف شعارات حركة ''أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب'' المسماة ''بجيدا''، وهم لم تتعدى أعدادهم المئات في تظاهرات سابقة تزعمها مؤسس الحركة لوتز باتشمان 41 سنة من أصحاب السوابق في السرقة وتعاطي المخدرات والاعتداء على المدنيين، وبلا شك فقد نجح باتشمان في حشد الآلاف لتلك التظاهرات عبر بث سمومه المعادية لوجود الأجانب - العرب خصوصاً- في اوروبا مستعيناً بكل ما قد يعزز الكراهية ضد الإسلام في سلوكيات العرب بصفة عامة.

صراع الحضارات نظرية إحتدمت وازدادت شهرتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مباشرة عام 1990، والدافع لهذا الصدام ببساطة هو الرغبة في السيطرة على كل شئ لدى الأقوياء، السيطرة على الناس والأرض والثروة والقوة النسبية، وبالتالي القدرة على فرض الرأي والثقافة الخاصة بدولة أو بكيان ما على جماعة أو دولة أخرى باللين أو بالقوة، وفي الغالب ما تبدأ عملية السيطرة بزحف مستتر على اللغة والعقيدة والثقافة، الذين هم عصب التكوين الحضاري لأي مجتمع، وربما كان المفكر وعالم المستقبليات المغاربي د/ المهدي المنجرة 1933 : 2014 هو أول المنظريين لمسألة صدام الحضارات في أوائل التسعينات من القرن الماضي، وقد بنى الرجل نظريته على أساس فكر وقائي بنائي لا أصولي.. وللمهدي المنجرة مقولة شهيرة جاء فيها: ''أن عبارة الحرب الصليبية التي تبناها بوش الأبن في خطابه، وإن بصورة عابرة، فهي تبين ما ذهب إليه من قبله إبن خلدون حين قال بأن القوي يفرض على الضعيف المنهزم قيمه وعباراته ولغته، وهذا الأمر ينطبق على دول الجنوب، وينطبق أيضاً على نظام الأمم المتحدة، الذي أثبت صراحة هو الأخر أنه يسير صوب نهايته''.

لهذا، وقبل أن نشرع في صب غضبنا ونقمتنا على الأخر الأقوى، أو أن نوجه رصاص الغدر لرؤوس وأجساد وأقلام كل جريمتها أنها تفكر وتبحث عن الحرية والكرامة، علينا أن نتسائل أولاً ونحن نتنسم رائحة النفط ونغترف من دولاراته: أين لغتنا؟ أين قوميتنا؟ أين ديننا وهويتنا؟ وأخيراً.. أين أرضنا..!؟

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان