إعلان

بالصور- الانتخابات الرئاسية.. المشرحة ''مش ناقصة قتلى''

03:39 م الثلاثاء 27 مايو 2014

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – دعاء الفولي وأماني بهجت:

مجبرةً جلست ''بثينة محمد'' فوق سور حجري منخفض، تلتحف بالسواد، عبارات خُطت على الحائط الذي تجلس أسفله، ''في الجنة يا شهيد''، ''الداخلية بلطجية'' و''الجندي شهيد التعذيب''، لجانبها ''كريمة حامد'' لا تخرج من فمها كلمات سوى ''عليه العوض ومنه العوض''، بالخلف شباك بداخله أحد موظفي مشرحة زينهم، بالسيدة زينب، يُجهز بعض الأوراق الخاصة بالدفن، في انتظار ''خالد محمد حامد'' كانت السيدتان، الأولى خالته والثانية أخته، بين الحين والآخر تطل أحدهما بالنظر إلى غرفة ''الغُسل''، التي يقبع أمامها بعض أفراد العائلة، حيث سيخرج الفقيد.. مشهد أصبح معتاد بعد الانتخابات الرئاسية 2012، ومع ساعات اليوم الأول من انتخابات الرئاسة 2014، مازال ''الدم'' سيد الموقف.

خيّم السكون على حال المشرحة، ضمت جنباتها عائلتين، تنتظر كل منهما جثمان الابن القتيل، بينما وقف أحدهم إلى جانب مدخل المشرحة، المتزين بالآيات القرآنية المفرودة على الحائط، وسيارات موجودة بالخارج لنقل الجثمانين إلى مثواهما الأخير. أحداث جمة استقبلتها المشرحة على هيئة جثث، منذ فجر الثورة، مرورا بذكرى محمد محمود الأولى والثانية، قصر الاتحادية، وليس انتهاء بفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2013.. على مقربة من مبناها استعد المواطنون للإدلاء بأصواتهم بانتخابات 2014، بينما تبتهل ''بثينة'' إلى الله أن توقف نتيجة الانتخابات نزيف دماء الأحبة.

منذ عامين ونصف انضم ''سيد معوض'' إلى فريق سائقي مصلحة الطب الشرعي، التابع لها المشرحة، كان يعمل في مجال السياحة قبل أن تؤثر ثورة يناير 2011 على الأحوال بها؛ فيتركها ''الواحد كان بيشوف الدنيا وهو في السياحة ودلوقتي عرف إن الدنيا متسواش حاجة''، التأمين هو أكثر ما يفتقده السائق الأربعيني ''بننقل الناس في ظروف صعبة وبنعمل اللي ربنا يقدرنا عليه''، رغم عمله بالقيادة، اضطرته أحداث الموت المتتالية إلى التعامل مع الجثث ''صعب إننا نشوف حد بيتشرح قدامنا''.

بين الانتخابات والانتخابات يأمل ''معوض'' أن يختلف الحال، يذكر أقسى الأيام وقت فض اعتصام رابعة العدوية ''الواحد كان بيدوس في دم البني آدمين''، في انتخابات 2012 أبطل صوته في جولة الإعادة ''كنت حاسس إن الاتنين مينفعش يمسكوا البلد''، رغم ذلك لم يُفكر في الامتناع عن المساعدة في نقل جثامين معتصمي رابعة العدوية ''كنت بعمل كدة بدافع إنساني وديني لأن إكرام الميت دفنه''، قبل ذهابه إلى التصويت في اللجان اليوم لا يأبه إلا أن يتوقف صنبور الدم عن السيلان ''ياريت اللي هييجي يعدل البلد ويبقى فيه أمان.. عايزين استقرار''.

''سندويتشات البستان''، كُتبت بخط صغير على واجهة زجاجية صغيرة، أصناف من الطعام موجودة بداخلها، على مقعد خشبي كان ''سيد أنور'' ينظر إلى الشارع الطويل المؤدي إلى المشرحة، تغطت جوانبه بـ''حسبي الله ونعم الوكيل'' وأسامي القتلى في الأوقات المختلفة، مكتب حانوت خضراء لافتته، معروف بالمنطقة أنه ''حانوت السيدة زينب''، أكفانه داخل دولاب متهالك يُشبه حال المحل، وقهوة ينثر صاحبها مقاعده قريبًا من باب المشرحة الرئيس، ''إن شاء الله حال البلد هينصلح'' أمل لم يستطع الرجل الخمسيني إخفاؤه رغم ما رآه في سنين عمله لجانب المشرحة ''ياما الواحد شال جثث''، في فض الاعتصام كانت مهمته تشغيل موتور السيارات المُستخدمة لحفظ الجثث، لا يرى الموت الموجود في أروقة الشارع بصفة سياسية بل إنسانية ''الشارع كان مليان بالخمس صفوف جثث من أوله لأخره''.

بين اختيار المرشح ''أحمد شفيق'' في 2012، و''عبد الفتاح السيسي'' في 2014، يطمح جار المشرحة بأن ''ميبقاش فيه بطالة والناس تشتغل''، الظروف دفعته للعمل بالقرب من مُلتقى المصريين في العامين الماضيين، لازال الأمل يجافي ابن منطقة السيدة زينب، الألم الذي قابله في أعين الأهالي على اختلافهم سيندمل، حسب رأيه، مع رئيس ''يراعي ربنا في الناس''.

يسير ''خالد'' مع زوجته، حاملة على يدها ''منة'' الصغيرة، لم يتعد عمرها العام الواحد، في منطقة المسلة بالمطرية، عائدان كانا من منزل خالته بنفس المنطقة الجمعة الماضية، بينما تدوي الاشتباكات حول الأسرة، طلقات خرطوش اخترقت جسد الأب ''واخد رصاص خرطوش في دماغه''، أردته قتيلًا في الحال، الأم لم تسلم من الرصاص الذي استقر بالبطن والظهر، وصولًا إلى الطفلة التي اُصيبت بخرطوش في مقدمة الرأس ''المدرعة كانت بتضرب في الناس عشوائي''، قالت أخته قبل أن تعاود جملتها المكررة ''عليه العوض ومنه العوض''، أكملت الخالة ''احنا ملناش في حاجة.. أحنا مش تبع حد''.

عقب خروجه من غرفة ''الغُسل'' كفكف الشيخ ''سعيد صلاح'' دمعه، اتكأ على سور لجانب الغرفة يمتص حزن الدقائق الماضية، لم يعتاد حالة الفقد التي يراها في أعين الأهالي مع بداية العمل كمغسل في المشرحة منذ 18 عام، كل مرة وكأنها الأولى، لا تربطه بضحايا الصراعات السياسية صلة قرابة ''بس كلهم شباب زي ولادي.. بخرج أبكي عليهم''، يدان بدا عليهما الخشونة، يحاول الرجل الخمسيني علاجهما مع ألم لا يتركه أبدًا ''بغسل الجثث بالمية والصابون وفيه بعضها بيبقى متعفن أو محروق''، رغم التعب يتحرى الشيخ إتمام الغسل بشكل جيد ''بغسلهم كويس عشان انا بسلمهم لربنا''.

العمل منع الشيخ الخمسيني في انتخابات 2012 من التصويت، وكذلك الحال في الانتخابات الرئاسية الحالية ''انا مليش مواعيد ساعات آجي من 7 الصبح لحد 2 بليل.. حتى تنجيد ابني محضرتوش''، لم يترك مغسل المشرحة ''الغسل'' يومًا في المنتصف، إلا عندما أخبروه أن زوجته اصيبت في حادث سيارة ''كنت مرعوب من اللي بشوفه في الشغل هنا''، بين الدعاء بأن ''ربنا يولي الأصلح'' وعدم القدرة على الذهاب للانتخاب، ينتظر والد الأربع أبناء أن لا يأتيه ضحايا مرة أخرى ''نفسي المشرحة تبقى رايقة ومفيهاش ناس''.

رجال حملوا النعش على أكتافهم، أبيض لونه، لكنه لا يسر الناظرين ''لا إله إلا الله''، يقولونها في إجلال، بطيئًا يسير الجمع، يتحرك من ساحة المشرحة إلى السيارة المنتظرة في الخارج، لتحمل جثة ''خالد حامد'' الذي ترك خلفه زوجة مُصابة وابنه سيظل أثر الرصاص في جسدها، يُخبرها عن دم والدها، وخالة ربّته على عينيها، لا تريد أن تراه في شاب آخر ''ذنبه ايه يتقتل وهو ماشي في الشارع؟''، الانتخابات بالنسبة لها وسيلة لمنع تكرار المأساة، لن تُدلي بصوتها لفقدها العزيز ''أحنا معندناش وقت بعد اللي حصل بقالنا 3 أيام بين المستشفيات عشان ندفن خالد''، بالنسبة للمرشحين لا تقيمهما تبعًا لشخصهما ''أنا لا اعرف سيسي ولا صباحي.. المهم اللي بيحصل دة يقف حتى لو هيزوروا الانتخابات.. البلد بقت بتخلص''.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

لمعرفة مكان لجنتك الانتخابية اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: