إعلان

في ذكرى مقتل "فارس الدعوة العباسية الأول".. قصة نهاية "أبو مسلم الخرساني"

06:55 م الأربعاء 07 أبريل 2021

تعبيرية

كتبت - آمال سامي:

"الأمير صاحب الدعوة وهازم جيوش الدولة الأموية والقائم بإنشاء الدولة العباسية" هكذا يصف صاحب سير أعلام النبلاء أبو مسلم الخرساني، الذي تم قتله من قبل الخليفة العباسي المنصور في مثل هذا اليوم الخامس والعشرين من شعبان عام 137هـ.

كان أبو مسلم الخرساني أحد أبرز رجال الدعوة العباسية وأمرائها، وكان بإمكانه أن "يقلب دولة ويقيم أخرى" حسبما يصفه الذهبي، إلا أن الدولة العباسية آثرت قتل أبرز رجالها وأشدهم، فيصف كامل الكيلاني في كتابه "مصارع الأعيان"، مصرع أبي مسلم الخرساني بأمر الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور، إذ أومأ ابو مسلم إلى رجله يقبلها ويقول: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، استبقني لأعدائك. فدفعه برجله وقال له: لا أبقاني الله إذن، وأي عدو لي أعدى منك؟

فضربه شبيب فقطع رجله.

فقال أبو مسلم: واتعساه، ألا قوة؟ ألا مغيث؟

وصاح المنصور: اضربوه، قطع الله أيديكم. فاعتوره القوم بالسيوف فقتلوه.

كيف انتهى أمر فارس الدعوة العباسية بالقتل؟

كان أبو مسلم الخرساني رائد الدعوة العباسية في خرسان، وبعدها أصبح واليها، إذ اتصل ابو مسلم بابراهيم بن الإمام محمد من بني العباس، وكان نشطًا في الدعوة العباسية حتى أرسله إبراهيم إلى خرسان داعيًا هناك، واستطاع ابو مسلم الاستيلاء عليها وتحرك ليحارب مروان بن محمد آخر ملوك الدولة الأموية، فهزمه وقتله وانتهت بذلك الدولة الأموية عام 132م، وكان أبو مسلم من أشد رجال الدعوة العباسية وأكثرهم إخلاصًا لها، لكن كانت له جماهيرية كبرى ونفوذ واسع ومطامع في الخلافة.

وحين تبدأ المطامع في الظهور، تبدأ كذلك معها مخاوف العباسيين من نفوذه، وكانت أولى هذه الاحتكاكات بداية موسم الحج الذي أستاذن فيه الخليفة العباسي الأول أبو العباس السفاح في أن يخرج إلى الحج عام 136 ليأذن السفاح له، لكنه في نفس الوقت يحرك أبي جعفر المنصور حتى يخرج هو أيضًا في الحج، ويخرج الطرفان، لكن يحرص أبو مسلم الخرساني على التقرب إلى عموم الشعب واستجلاب مودتهم، فيقول الكيلاني في مصارع الأعيان: " قالوا: (وكان يصلح العقاب ويكسو الأعراب في كل منزل ويصل من سأله)، قالوا: (وكسا الأعراب البتوت والملاحف، وحفر الآبار وسهل الطرق. فكان الصوت له، وكان الأعراب يقولون: هذا المكذوب عليه)، وفي بعض هذا ما يثير الأحقاد، ويلهب الحسد في نفس أبي جعفر الذي لم ينس له تقدمه عليه في الحج، ولم يترك حيلة إلا احتالها عليه حتى شفى نفسه بالانتقام منه".

وحين مات أبو العباس، وتولى المنصور الخلافة بعده، حرص أشد الحرص على أن ينهي حضور أبو مسلم الخرساني وكان ذلك بانهاء حياته، فيقول ابن كثير في البداية والنهاية أن أبو مسلم الخرساني كان مطيعًا ممتثلًا لأبي العباس السفاح، فلما توفي وانتقل الأمر إلى المنصور استخف به أبو مسلم الخرساني واحتقره، وهم بقتله أيضًا، فكان الطرفان يضمران لبعضهما غدرًا، إذ كان ابو جعفر المنصور يرغب في التخلص منه منذ خلافة السفاح لكنه كان يمنعه عنه، وكان أبو مسلم يرى ان المنصور أضعف منه، وهكذا استغل كثيرون هذا العداء بين الطرفين وزادوه اشتعالًا.

مكاتبات ومناوشات تظهر ندم "الخرساني" على دمويته وتنتهي بمقتله

جرت بين الطرفين الكثير من المكاتبات ومنها ما ذكر ابن كثير يظهر ندم أبو مسلم الخرساني على الشدة والعنف والقتل بغير عذر الذين استخدمهم لنشر الدعوة العباسية، فيروي ابن كثير قائلًا: كتب المنصور إلى أبي مسلم: أما بعد فإنه يرين على القلوب ويطبع عليها المعاصي، فع أيها الطائش، وأفق أيها السكران، وانتبه أيها النائم، فإنك مغرور بأضغاث أحلام كاذبة، في برزخ دنيا قد غرت من كان قبلك وسم بها سوالف القرون: "هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا"، وإن الله لا يعجزه من هرب، ولا يفوته من طلب، فلا تغتر بمن معك من شيعتي وأهل دعوتي، فكأنهم قد صالوا عليك بعد أن صالوا معك، إن أنت خلعت الطاعة وفارقت الجماعة وبدا لك من الله ما لم تكن تحتسب، مهلا مهلا، احذر البغي أبا مسلم! فإنه من بغى واعتدى تخلى الله عنه، ونصر عليه من يصرعه لليدين والفم، واحذر أن تكون سنة في الذين قد خلوا من قبلك، ومثلة لمن يأتي بعدك، فقد قامت الحجة وأعذرت إليك وإلى أهل طاعتي فيك...

فأجابه أبو مسلم قائلًا: أما بعد فقد قرأت كتابك فرأيتك فيه للصواب مجانبا، وعن الحق حائدا إذ تضرب فيه الأمثال على غير أشكالها، وكتبت إلي فيه آيات منزلة من الله للكافرين، وما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وإنني والله ما انسلخت من آيات الله، ولكنني يا عبد الله بن محمد كنت رجلا متأولا فيكم من القرآن آيات أوجبت لكم بها الولاية والطاعة، فأتممت بأخوين لك من قبلك ثم بك من بعدهما، فكنت لهما شيعة متدينا أحسبني هاديا مهتديا، وأخطأت في التأويل وقدما أخطأ المتأولون...وإن أخاك السفاح ظهر في صورة مهدي وكان ضالا فأمرني أن أجرد السيف، وأقتل بالظنة، وأقدم بالشبهة، وأرفع الرحمة، ولا أقيل العثرة، فوترت أهل الدنيا في طاعتكم، وتوطئة سلطانكم حتى عرّفكم الله من كان جهلكم. ثم إن الله سبحانه تداركني منه بالندم واستنقذني بالتوبة، فإن يعف عني ويصفح فإنه كان للأوابين غفورا، وإن يعاقبني فبذنوبي وما ربك بظلام للعبيد.

وقد أشار البعض على أبي مسلم الخرساني بأن يقدم إلى أبي جعفر المنصور من الرسل الذين كان يرسلهم إليه الأخير، تارة بالرغبة وتارة بالرهبة، وبالفعل تحرك ابو مسلم الخرساني إليه، وعلى الرغم من أن أحد رجاله وهو نيزك قد أشار إليه بقتل المنصور وان يتولى الخلافة بدلًا منه، إلا انه لم يستطع أن يفعل ذلك، فلما دخل المدائن وجد الخليفة كان قد جمع له الأمراء الذين أمرهم بقتله.

فيديو قد يعجبك: