21 مارس 2020

إغلاق المساجد والكنائس وتعليق الصلوات بهما

كان الموقفُ شديد الوطأة، بيوتُ الله في الأرض مُغلقة، لا صلاة في المساجد ولا قدَّاسات بالكنائس، والقائمون على خدمة هذه وتلك، هم الداعون إلى تجنُّبها، والآمرون بالتعبُّد في المنازل، في تحول إلزاميٍّ اقتضاه انتشار «كورونا» المستجد، في مجتمعٍ لطالما قيل عنه إنَّه «متدينٌ بطبعه».

لمشاهدة تفاصيل الصورتين حرِّك الخط الفاصل


لمشاهدة تفاصيل الصورتين حرِّك الخط الفاصل


على أول عتبةٍ لمنبر الأزهر، يجلس محمد ليقرأ ما تيسر له من القرآن، ثم يطالع مراجع دينية في مكتب مُخصَّص لأئمة المسجد، ويبثُ دروساً عبر الإنترنت، ويتمشَّى كثيراً داخل المسجد الفارغ باتساعه، بعدما كان مزدحماً على الدوام، بين لجنة الفتوى التي تقوم بعملها، وطلاب الأزهر المنتشرين حول الأعمدة، والمارة الذين يدخلون للصلاة، وحلقات الدروس الدينية التي تجمع الآلاف، داخل الجامع الذي أنشئ قبل 1080 عاماً هجرية.

الموقف لم يكن سهلاً على كثير من أتباع الديانتين، مرَّ أسبوع الآلام وعيد القيامة المجيد، صعباً على «مايكل سامي» أحد سكان القاهرة، لا قدَّاس في الكنائس أو طقوس دينية، لا احتفالات جماعية، لا زيارات منزلية. تابع الشاب صلوات أسبوع الآلام وعيد القيامة، التي ترأسها البابا تواضروس الثاني، بدير الأنبا بيشوي، بمشاركة الآباء المطارنة والأساقفة وعدد من رهبان الدير، وتم بثُّ الصلوات عبر التلفزيون المصري: «صليت في البيت، وتابعت القداسات أون لاين، لكن ده شعور قاسي».

الشعور ذاته مرَّ به المطران «كريكور أوغسطينوس كوسا» أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك، وهو يحتفل بقداس عيد القيامة ببطريركية الأرمن الكاثوليك بوسط القاهرة دون حضورٍ شعبي على غير العادة: «نصلي لله، ونتمنى أن ينجِّي العالم، ونصلي بعد ذلك ونحن مع بعضنا».

داخل منزله وقف «أحمد محمد» يصلِّي تراويح أول ليلةٍ في رمضان، بعيداً عن المساجد التي كانت تمتلئ بالمصلين في الأعوام السابقة، ولم تُقم صلاة جماعية في مساجد مصر منذ إغلاقها إلا في الليلة الـ11 من رمضان، بمسجد عمرو بن العاص، تلاه الجامع الأزهر، ثم مسجد الفتاح العليم بالعاصمة الإدارية الجديدة، واقتصرت الصلاة على الإمام ومن يعاونه من العاملين لبث الصلوات تلفزيونياً: «صعب أوي لما نتفرج على الصلاة من التلفزيون وبس».

حين كان الـ27 من يونيو الماضي، فتحت دور العبادة أبوابها، مع تعليق صلاة الجمعة في المساجد، وإغلاق الساحات في الأعياد، وعُلِّقت صلوات يومي الجمعة والأحد في الكنائس، ضمن خُطة للتعايش مع الفيروس التي أعلنت عنها الحكومة. لكن الصلاة في كنائس القاهرة والإسكندرية أُجِّلت حتى الثالث من أغسطس الماضي، نظراً للإصابات المرتفعة فيهما.


عاد الأذان بلا عبارة «صلُّوا في بيوتكم» لكن الخوف من الوباء لم يتلاشى بعد، ففي ذلك اليوم الذي فتحت فيه المساجد أبوابها، كانت أعداد إجمالي المصابين بالفيروس قد وصلت إلى نحو 64 ألف إصابة، و2708 حالة وفاة.

أجراسُ كنائس القاهرة عادت لتدقَّ من جديد، في الثالث من أغسطس الماضي، بعدما انخفضت أعداد المصابين بالفيروس لأقل من 300 حالة في بعض الأيام، ثم عادت قدَّاسات يومي الأحد والجمعة بعد ذلك بأيام. ورغم التشديد على ضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازية في مواجهة «كورونا» فإن البعض لم يلتزم بها، سواء في المساجد أو الكنائس، حتى أن مسجد الحسين، أحد أشهر مساجد القاهرة، أُغلق بعد أقل من أسبوع على فتح المساجد، لعدم التزام بعض المصلين بالإجراءات الاحترازية التي وضعتها وزارة الأوقاف.

إغلاقٌ مُجدَّد، تخطَّى وقعه السيِّئ روَّاد المسجد، وشمل العاملين في المتاجر القريبة منه، وكان فتح المسجد الواقع بحي «الموسكي» مرَّة أخرى بضوابط جديدة، باب خير لهم. تعلَّقت آمالهم بعودةٍ قريبة لصلاة الجمعة، فعادت في الـ28 من أغسطس الماضي، بالمساجد الكبرى فقط، التي كانت تضم آلافاً من المصلين، فينتشر الباعة في محيطها بعد الصلاة لترويج بضائعهم، التي طالها الكساد خلال «زمن كورونا»، الذي وجَّه ضرباتٍ سريعة متلاحقة زادت من معاناة البائعين، وأثَّرت على حركة التجارة بشكلٍ غير معهود.