أيْن تذهبُ هذا المَساء!

17 مارس 2020

إغلاق دور السينما والمسارح


عملياتُ تطهيرٍ مستمرة، وأقنعةٌ طبية على الوجوه، وملصقاتٌ تحضُّ على التباعد، في أجواءٍ مقبضةٍ مقلقة، في أيام عيد الأضحى، ما كان لها أن توجد أمام شبابيك تذاكر السينما، التي عادت للعمل بربع طاقتها. ينظر «حسن عبد الموجود» إلى المشهد بأسى، فبعدما حُرم من دخول السينمات لثلاثة أشهر ونصف الشهر من إغلاقها، لم يَعد إليها حين فتحت أبوابها خشية إصابته بـ«كورونا».

المصدر: الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

قبل تلك العودة الجزئية، كانت «أفيشات» بعض الأفلام تخطف أعين المارة، على واجهة دور عرض السينمات، يشاهدها حسن وكلُّه حزن، فللمرَّة الأولى منذ 35 عاماً حين دخل إحداها، يُحرم من عبور أبوابها المغلقة بقرارٍ حكومي، نتيجة تفشي وباء «كورونا» المستجد، وبعدما كان ليلُ القاهرةِ مزدحماً بأفلامٍ جديدة، وعروض فنية على المسارح، وحفلات غنائية، وسهرات وصالونات ثقافية تمتدُّ حتى مطلع الفجر، تلاشى ذلك كله.

بحكم عمله في الصحافة، تابع حسن قرارات رئيس مجلس الوزراء بتعليق جميع الفعاليات التي تتضمن تجمعاتٍ كبيرة للمواطنين، حينها أصدرت غرفة صناعة السينما قراراً بألا تزيد نسبة الإشغال داخل قاعات السينما عن 35%، غير أن رئيس الوزراء أصدر قراراً بتعليق العروض تماماً: «فبتفرج في البيت، لكن ده مش بديل للسينما، اللي ليها طقوس وسحر بيخليك حاسس إنك داخل المشهد» يحكي الرجل الذي شهد حظر تجوال ثورتي 2011 و2013 وكانت السينما تُغلق في ساعات الحظر وتفتح في الساعات الأخرى، لكنها هذه المرة مغلقةٌ طيلة اليوم، خشية التجمع الذي قد ينشر العدوى.

في تلك الفترة صار البديل هو الأساس، فكانت «العوالم الافتراضية» ملجأ كثيرين، مثلما فعلت دار الأوبرا المصرية، التي كانت تقيم في أوقات مضت، فعاليات مختلفة، يمتلأ بها جدولها الشهري، وتزدحم قاعاتها على إثرها بالحضور، لكنها الآن خاويةٌ مغلقة، بينما فتحت قنواتها على مواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة عروض وسهرات عبر الإنترنت. ولم تكن مسارح دار الأوبرا وحدها التي أُغلقت فكل مسارح مصر والمراكز الإبداعية فعلت ذلك، وكانت منشورات التوعية من خطورة الفيروس وانتشاره وطرق الوقاية منه، ملصقةً على بعضها، فلا جمهور ولا أعمال فنية في ظلِّ ذلك الفيروس الذي يهدد العالم كله.

المصدر: الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات

بعد إغلاقها لفترة طويلة، تابع حسن ما أعلنته الحكومة عن السماح للسينمات والمنشآت الثقافية بالعمل بنسبة 25% من طاقتها الاستيعابية، ضمن خُطة لعودة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها، بدأ تنفيذها في الـ27 من يونيو الماضي، لكن الشاب قرَّر الغياب عنها حين فتحت أبوابها، خوفاً من معدلات الإصابات بالفيروس، وكانت عودة السينما باهتةً، حتى إن مسؤولاً في غرفة صناعة السينما، صرَّح بأن «إيرادات دور العرض لا تغطِّي فواتير الكهرباء». وحين كان عيد الأضحى، اصطفَّ العشرات على أبواب السينمات، لحجز مقاعدهم داخلها، لكن الأعداد لم تكن كبيرة، على غير عادتها مع الأعياد. وفي منتصف سبتمبر الماضي، وافقت الحكومة على تنظيم المعارض الثقافية، بشرط أن تكون في أماكن مفتوحة، وبنسبة حضور لا تتعدى الـ50%، مع تطبيق الإجراءات الاحترازية.

لفترةٍ طويلة كانت القاهرةُ غير التي يعرفها الناس، لا أماكن لزيارتها في المساء، لا تنزه ولا سهرات، ولا تمضية للوقت بالتمشية، أو السهر داخل مركب نيلي، أو الجلوس على مقهى، أو مشاهدة فيلم بسينما، أو حضور لمسرح، فالإغلاقُ صار سمةً لكل مكان. شلَّ «كورونا» القاهرةَ، حتى صارت مسخاً، وبات ليلها ثقيلاً طويلاً بلا بهجة، وغاب عنها محبُّو السهر بعدما اتَّخذت الدولةُ حيال الفيروس إجراءاتٍ متعددة.