إعلان

أتوبيس المريوطية.. لما الموت بـ "يتشعبط" في الناس - صور

06:35 م السبت 21 مارس 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - دعاء الفولي وإشراق أحمد:    

انطلق رفاق العمل مستقلين أتوبيس شركتهم "أوراسكوم للإسكان والتعمير"، 28 فردًا يتخذ كل منهم مقعده تباعًا، فور صعوده للسيارة، ليواصل عم "باسم" طريقه إلى موقع البناء بمنطقة 6 أكتوبر، مُتحصنًا بصورة السيدة العذراء ملصوقة بنافذة مقعدة القادة، الجميع تصحبهم رحلة يومية بالسيارة رقم "أس 6394"، في السبت يتأخر موعدهم، الطريق خال على "الدائري" والزحام قليل، والبال لا يخطر له أن تلك اللحظات هي الأخيرة، وأن الدور توقف عندهم، ليلحقوا بمن سبقهم في ذلك المكان أعلى كوبري "المريوطية"، تلك الفجوة البالغة 15 متر بين سور الكوبري وقاع الترعة، الذي كان مستقر 12 عاملا منهم غرقًا، وانتشال 15 مصابًا.

كانت الساعة تقارب الثامنة صباحا عندما جاء علي ورجب وشعبان إلى منطقة المريوطية، حيث وقع الحادث، يتبع الثلاثة إدارة إنقاذ أبو النمرس "بدأنا نطلع في الجثث لحد ما وصلوا 12"، على حد قول شعبان. الترعة ليست آمنة بشكل عام، تبتلع بين حين وآخر شخص "لسه مطلعين إمبارح الساعة 12 بليل واحد مقتول ومرمي فيها"، أو سيارة يلقي بها الحظ العسر هناك، الغواصون قاموا بربط الأتوبيس داخل المياه، ثم سحبوه رويدا حتى تم إخراجه متهالكا على السطح.

لم يكن الأمر سهلا، فالرؤية أسفل المياه شبه منعدمة على حد تعبير "عبد الله" أحد الغواصين "بس احنا متعودين إن مياه النيل والترع تبقى كدرة كدة"، لذا يعتمدون على حبل قوي، يُربط به الغواص عقب نزوله، ويمسك بطرفه الآخر شخص يقف على الشاطيء، من وقت للثاني كان المتفرجون الواقفون بجانب الأتوبيس يهرولون في اتجاه الترعة. "طلعوا جثة"؛ هكذا ينادي أحدهم، قبل أن تظهر الخيبة على وجوههم ويتضح أن البلاغ كاذب، ويصرخ فيهم أحد الضباط "يا اخوانا بيطلعوا جزء من الأتوبيس.. فيه إيه؟".

على شاطيء الترعة المختلط بالحجارة والطوب اللبن والتراب وقف أهالي المنطقة، فيما يأتي  تحذير حاد اللهجة من أحد أفراد الحماية المدنية "يا جماعة خلوا بالكوا الشط هنا متهاوي وممكن حد يقع"، لا ينتبه له أحد، ويدلي كل منهم برأيه "كان لازم يشوفوا حل في الكوبري عشان دي مش أول مرة"، بجانب سور الكوبري تزاحمت السيارات القادمة في اتجاه المريوطية، فجوة بين السور الحديدي أحدثها الأوتوبيس، قبل أن يقول الغواص عبد الله إن ارتفاع الكوبري حوالي عشرة أمتار، وعمق الترعة خمسة أمتار "يعني الأوتوبيس وقع من 15 متر".

سيدة متشحة بالسواد كانت تسير قبالة حائط الأمن المركزي الذي يحاوط الأوتوبيس المُدمر، تحاول العبور، تسأل بنظرات تائهة "ابني اسمه أحمد رشاد.. حد شافه؟"، يتلقفها شاب يُدعى أمير، يمسك بزجاجتي مياه قائلا  "هو ابنك اسمه ايه؟"، تخبره، فيطمئنها قائلا "ابنك كويس.. الست اتوبيسات التانيين وصلوا بالسلامة".

يعمل أمير في شركة أوراسكوم للتعمير والإنشاء كعامل بناء، كان بأحد الأتوبيسات التي لم تُصب بأذى "فيه عربية نقل رمت على السواق عشان كدة فلت منه الأوتوبيس"، خرج الشاب ومن معه بعد سقوط الحافلة الأولى، فزعوا من مشهد أصدقائهم الخارجين بأعجوبة من المياه "فضلنا ماشيين فوق الكوبري كتير واتشعبطنا في مواصلات عشان ننزل هنا نشوف الناس"، لكنهم قبل ذلك أخذوا رقم السيارة النقل التي انحرفت تجاه الأوتوبيس.

خمس سنوات هي عمر غطاس نسيم داخل شركة أوراسكوم، من حلوان يستقل الحافلة المخصصة للعاملين، رحلة يومية ذهابا وإيابا على كوبري المريوطية، يبصر "الناس بتزنق كتير بعربياتهم" أعلى الطريق السريع، ينقبض قلبه برؤية "التريلات" وعربات النقل المسرعة، نفسه تحمل صورة الحوادث المتكررة بالطرق، التي كاد يكون أحد ضحاياها لولا تدخل العناية الإلهية، فكان "نسيم" بالسيارة اللاحقة لتلك التي سقطت في الترعة بمن فيها، يقف بين رفاق له من الشركة، تتفقد عيناه آثار الاتوبيس المهشم، ومحاولات رجال الحماية المدنية لانتشال بقاياه، والبحث عن مفقودين بالمياه، ينظر لأعلى حيث الكوبري وسوره المنكسر بفعل الحادثة ويقول "المفروض يتعمل رقابة على عربيات النقل أكتر من كده.. ليه قانون التريلات متفعلش؟"، يتساءل الرجل الأربعيني.

كعادة وقوع أي حادث، يتجمهر أهالي المنطقة، البعض مساعد، وكثير متفرج، منهم مَن لا يكتفي بالمشاهدة، بل يلفظ كلماته علنا، سواء بالتضامن، فيحوقل ضاربا الكف بالكف، أو مازحا حال فتيين كانا يسيران بالقرب من زملاء الضحايا، يضع أحدهم يده على كتف الآخر مخبرا إياه في سخرية "أدي أخرة البرشام"، باستياء نظر له عامل كان من الممكن أن يكون محل رفاقه لكنه استقل أتوبيس آخر وقال "لو بيشرب برشام مش هينزل يشتغل من فجر ربنا يا كابتن"، فيما أطال زميل آخر النظر إليهما متحسرا على كلمات تقال دون بينة أو مراعاة لجلال الموت.

السيارات المارة بجانب ترعة المريوطية غيرت اتجاهها بعد غلق الطريق إبان الحادث، توقف بعض سائقي الدراجات النارية  ليفهموا ما يجري، يتأفف أحدهم مستطردا "طب ما يفتحوا الطريق بقالنا ساعتين متعطلين"، في الجهة المقابلة يتسلل بعض عساكر الأمن المركزي من الصف العريض لينظر إلى عمليات البحث والإنقاذ داخل الترعة، ثم يولي وجهه ساخرا "عادي يا جماعة ملمومين على ايه.. دول بيحاولوا يدوروا على ربع جنيه".

ارتطام شديد هرع جراءه سعد محمود بواب العمارة المقابلة للحادث، ليست المرة الأولى التي يفزع بها ليبصر حادث، نتيجة السقوط أعلى الكوبري، لكن تلك المرة الأكبر حسب قوله "ابنى 18 سنة شال طلع معاهم أربع جثث".

على الأريكة الخشبية ذاتها أمام العقار بجوار "محمود" جلس أحمد عبد الرحيم، أحد سكان العقار، انفض الجمع فجلس قليلا على الأريكة الخشبية، قرابة الحادث الثالث الذي يراه في المكان ذاته "قبل سنة تريلة اتعلقت فوق الكوبري.. دايما السرعة هنا عالية" يقولها بفتور، فمنذ قرابة عامين من عمر الكوبري المنشأ منذ 7 سنوات تقريبا والحوادث تتوالى، غالبا ما تكون بالصباح الباكر، مرة قبل وقت قريب قرر "عبد الرحيم" السير بالكوبري "لقيت الطريق مساعد للسرعة.. مفيش رادار ولا مطب"، يرى الرجل أن ذلك السبب فيما يحدث، فلا يتبع أي حادث سوى "تصليح السور وخلاص" حسب قوله، فلسان حاله لا يختلف عن كثير من سكان المنطقة، الذين يرون أنه كان من الأفضل ردم المصرف وعمل طريق وليس ذلك الكوبري، خاصة أنه سبق التصريح بهذا منذ سنوات لكن لم يحدث.

فيديو قد يعجبك: