إعلان

بعد حملة "التعليم".. قصص "التنمر" ضد مسيحيين في المدارس

09:15 م الإثنين 10 سبتمبر 2018

طلاب مدارس - صورة ارشيفية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - محمد زكريا:

أمام التلفزيون، سمع مينا فضل عن حملة مواجهة التنمر في المدارس، فرحة ارتسمت على وجه صاحب الـ26 عامًا، لكن لا إراديًا راح ينظر إلى معصم يده اليمنى، ليغوص في ذكريات ألمّت به، وهو لا يزال طفلًا في المدرسة الإعدادية.

نهاية الشهر الماضي، انطلقت حملة "أنا ضد التنمر"، بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" والمجلس القومي للطفولة والأمومة، لمحاربة ظاهرة التنمر في المدارس. والتنمر، هو أحد أشكال السلوك العدواني الذي يتسبب من خلاله شخص ما في إيذاء شخص آخر أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة.

وتظهر الأبحاث، كما جاء بالصفحة الرسمية لـ"يونيسف مصر"، أن من بين ما تم اختيارهم ليكونوا هدفًا للتنمر والأفعال المسيئة، هم من الأطفال المختلفين في المظهر، أو الحالة الاجتماعية، أو في الخلفية الثقافية والدينية.

"مسيحي ضرب مسلم.. حكاية على كل لسان"

لا يتذكر فضل أنه تعرض، بمدرسته الابتدائية في محافظة المنيا، لأي من أشكال التنمر. كانت سنواتها مميزة. لم يكن مسه اعتداءً بدنيًا أو لفظيًا بعد. كما لم يلحظ تمييزًا قائمًا على دين، وهو مسيحي وسط فصل أغلبه من المسلمين. كل ما كان يشغله وقتها هو الفوز، في منافسة حامية بينه وأصدقائه على "أشطر واحد في الفصل". سنوات فيها سعادة صافية، كما يصفها. فيما لم تعد كذلك، بعد أن انتقل لدراسة الإعدادية.

كان هذا أوائل العام 2005. مصر على اعتاب انتخابات لمجلس الشعب. في شوارع ملوي، لاحظ فضل اللافتات الدينية. شد وجذب بين أطراف تتستر بالدين. ربما هذا ليس بجديد على المدينة الصعيدية. لكن وقعه كان جديدًا على عقل طفل، لم يتعد عمره 15 عامًا. بدا لعقله وقتها أن العالم مُقسم، مسلمين وأقباط، فيما طرق الخلل نفسه أبواب فصله، كذا لم ينس أن يُغير شيئًا ما في نفسه.

في رمسيس الإعدادية، تقوقع فضل بجانب مسيحيّ فصله، قلل من صداقاته، فيما لم ينجح كل هذا في إبعاد الإيذاء عنه وصديقه. أحس فضل شعور التنمر لأول مرة في حياته، دون أن يعي حتى اسمه.

في أحد أيام الدراسة، كان "فضل" يجلس بجانب "ديفيد"، صديقه "الطيب.. اللي لو قولت له يا كلب يبكي"، قبل أن يُهاجمه "شريف.. اللي كان معروف في المدرسة ببلطجته"، أعطى "شريف" لـ"ديفيد" لطمة على وجهه، حاول الأول صد الثاني عن مزيد من الإيذاء، لم ينجح، كان هذا قاسيًا على نفس "فضل"، فيما جاءت المأساة في "الكلام اللي اتنشر في المدرسة يومها.. (مسيحي ضرب شريف).. بقيت على كل لسان"، هذا أجبر ديفيد على التغيب عن الدراسة مدة 3 أيام، بعد نصيحة من مُعلمي المدرسة لتهدئة الموقف.

لم يكن هذا عابرًا في حياة فضل، غير الموقف من خطواته الدراسية فيما بعد، لا أصدقاء مسلمين في المدرسة بعد الآن، كذا يتجنب أي مشادة، نقاش، حتى مداعبة مع من هو في غير دينه، واستمر في نظامه هذا، إلى أن أنهى دراسته الإعدادية، ودرس الثانوية العامة، حتى أنه غادر المنيا إلى القاهرة، عمل مُهندسًا، تزوج وأنجب، فيما كان سؤاله الأول لطفله بعد يومه الدراسي الأول: "الميس بتاعتك مسلمة ولا مسيحية".

"مواجهة التنمر بلعبة الأدوار"

في مدرسة الإمام علي بن أبي طالب الابتدائية، الموجودة في حي المطرية بالقاهرة، تعمل سلوى فاروق كأخصائية نفسية.

تقول سلوى، إن عملها لا يخلو من حل مشاكل يكون التنمر هو بطلها، رغم عدم إدراك الطالب بكون فعلته تندرج أصلًا تحت هذا المفهوم، بل تزيد بالقول إنه ربما لم يسمع الطالب عن هذا المصطلح من الأساس، رغم أنه يُمارس أو يقع عليه موضوعه بشكل مُعتاد يومي.

لا تفرق سلوى بين تنمر تم ممارسته على مسلم أو مسيحي، فهو في نظرها إيذاء ومشكلة تستوجب الحل. ترى أن الإيذاء قائم على التمييز، لذا تعتمد في حلها على "لعبة الأدوار"، بمعنى "أقول للطفل حط نفسك مكان زميلك.. أنت ترضى حد يعمل فيك كده؟.. يبدأ الولد يتخيل الضغط اللي وصل له زميله، ويبدأ يحس أد أيه سبب له أذى نفسي".

يحدث هذا في غرفة واسعة. على بابها مكتوب: "الإخصائي الاجتماعي". ليُغلق حيثما تجتمع المُعلمة بأطراف المشكلة. تعتقد سلوى أن توفير جو من الخصوصية، يساعد على علاج الأزمة، كذا يُسهل على المذنب تقبل أي من أشكال العقاب. لكن في حالة إذا استعصت المشكلة على حل أخصائي الصحة النفسية، تُبلغ إدارة المدرسة، التي تُكون فريق عمل، لحلها.

والتنمر قد يأخذ أشكالًا متعددة كنشر الشائعات، أو التهديد، أو مهاجمة الشخص المتنمر عليه جسديًا أو لفظيًا، أو عزل شخص ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ، كما جاء نصًا في الصفحة الرسمية لـيونيسف مصر.

"القرآن ده الصح بتاعك أنتي مش بتاعي أنا"

بينما لا يزال طالبًا بمدرسة الشرق الأوسط في حي عزبة النخل بالقاهرة، تعرض روفائيل مينا للتنمّر من قبل معلمته.

في الصف الثالث الابتدائي، كان مينا ينشط في الإذاعة، صباحًا يُردد الحِكم والأخبار على الطلاب المُصطفين في فناء المدرسة. لكن جاء يوم من أيام الدراسة، وفاجأته مُعلمة اللغة العربية بطلب لم يستوعبه في حينها، لكن أدخل الأذى إلى نفسه.

داخل الفصل، وهو جالس على الدكة، طالبته المُعلمة بقراءة آيات قرآنية، كانت مرسومة في كراسة تحسين الخط، تعجب الطفل وظهر ذلك على وجه، وقبل أن ينبس بكلمة، بادرته المُعلمة: "هتقرأ القرآن بكرة في الإذاعة"، رد عليها التلميذ: "إحنا بنفتح الإذاعة بالقرآن وننهيها بالقرآن"، نظرت له وقالت متحدية: "القرآن بركة في أي وقت"، فقال الطفل وعلى وجهه نفاذ صبر: "شوفي حد غيري أنا مسيحي"، فردت هي في غضب: "القرآن هو الصح"، فبادلها الرد ببراءة: "ده الصح بتاعك أنتي، مش بتاعي أنا".

في البيت، شكا مينا لوالده ما تعرض له، ما اضطر الأب إلى التوجه معه في صباح اليوم التالي، قابل الأب ناظر المدرسة، فما كان من الناظر إلا تقديم الاعتذار، قبل أن يوبخ المُعلمة على فعلتها.

1

"التعمد، التكرار، اختلال القوة".. ثلاثة معايير، تجعل التنمر مختلفًا عن غيره من السلوكيات والممارسات السلبية، هكذا أوضحت منظمة اليونيسيف في حديثها عن التنمّر.

لكن لم تتعلم المُدرسة من فعلتها. كان يوم دراسي عادي بالنسبة لمينا، حتى حان وقت حصة القرآن، كعادته جهز الطفل نفسه للنزول إلى حوش المدرسة، هو ما اعتاد عليه في كل سنوات تعليمه، لكنه تفاجأ تلك المرة برفض المُعلمة خروج 10 طلاب من أصل 25 من الفصل، همهم المسيحيون تذمرًا، لكن لم يُفضل روفائيل أن يفتح حديثًا آخر مع مُعلمته، لكن تطوع زميلًا له بذلك، سألها على مسمع ونظر روفائيل: "إنتي بتحضري معانا حصة الدين؟"، فردت: "كلنا واحد"، فجاء جوابه سريعًا: "يبقى تحضري معانا دين الحصة الجاية".

لا ينسى صاحب الـ19 عامًا كل تلك المواقف، يُعيدها تفصيلًا كأنها بالأمس، حتى أنه يتذكر رحيل المُعلمة عن المدرسة بعد سنتين فقط، لما سببته من متاعب للطلاب، ورغم الأثر السلبي الذي ترسخ داخل نفس روفائيل عن أيام المدرسة، إلا أنه يعيش الآن بشكل طبيعي، إذ اعتبر ما تعرض له صغيرًا حدثًا فرديًا، لذا يَبعد عن نفسه أي إحساس بالنقمة تجاه المُجتمع.

تعتقد سلوى، أن وزارة التربية والتعليم تبذل جهدًا، في مواجهة التنمر في المدارس. موضحة أن الوزارة تُجدد بين الحين والآخر توعيتها للطلاب بآثار التنمر السلبية، حتى قبل أن تُعلن رسميًا عن حملتها تلك.

يحضر موجهون من الإدارة التعليمية، إلى مدرستها، ليعرضوا عليها في جلسات استرشادية جديد خطط الوزارة، كما تقول الأخصائية، التي يكون عليها نقل ذلك للطلاب في الفصول.

في مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، يخُصص لكل فصل من 18 موجودين في المدرسة، حصتين أسبوعيًا لمادة التربية النفسية، مدة كل واحدة ساعة ونصف، تتناقش المدرسة مع الطلاب، تنهيهم عن فعل التنمر ضد زميل، وتوضح لهم آثاره السلبية على الصحة النفسية، ولسلوى طريقتها لذلك، إذا كان طلابها من الصغار توضح لهم ذلك في صورة قصة خيالية، وكلما زادت سنة الطلاب الدراسية اتسمت حكايتها بواقعية أكبر.

لم تُركز وزارة التربية والتعليم، في حملتها ضد التنمر، على ما يتعرض له المسيحيين تحديدًا، كما يظهر فيما تنشره على مواقعها المختلفة.

لكن يسرا علام، مستشار وزير التربية والتعليم للتسويق والترويج، ومسؤولة حملة التنمر بالوزارة، تبرر ذلك في حديثها مع مصراوي، قائلة: "إحنا معترفين أن التنمر موجود في المجتمع كله، وعشان كده عاملين حملة للتوعية ضد التنمر.. لكن كمثال أنا مش هقدر أحدد وأقول التوعية ضد التنمر بالطالب القصير، أنا كده هبقى بجرح الطالب القصير".

تابع موضوعات الملف:

بعد محاولته الانتحار.. مصطفى يقود مبادرة ضد التنمر في المدارس

1

التنمّر على كل شكل ولون.. ذكريات المدرسة "مش وردية"

2

حقائق حول التنمّر (فيديو جراف)

3

"إنتوا جايين بلدنا ليه؟".. سوري وسوداني يواجهان التنمّر داخل المدارس المصرية

4

"انتوا بنات ملجأ".. حكاية 3 فتيات عانين من التنمّر

5

حائط صد.. الأهالي ساندوا أولادهم لمقاومة العنصرية في المدارس

6

"كنت متنمرًا".. نورهان أوشكت على الوقوع في فخ الأذى

7

روشتة "إخصائي اجتماعي مثالي" لمواجهة الأذى النفسي في المدارس

8

مواجهة "فريدة".. حكاية طالبة تغلبت على التنمر واستقبلت رسالة اعتذار

9

"الحل عند الآباء".. كيف نتعامل مع الطفل المتنمّر؟

10

"لسانك حصانك".. التنمّر دفع أحمد وكريم لكراهية المدرسة

11

فيديو قد يعجبك: