إعلان

6 ساعات مع وحدة إنقاذ المشردين: عبدالله عاد لأسرته.. وكبار فضّلوا برد الرصيف

03:29 م الإثنين 28 يناير 2019

اطفال بلا مأوى

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- أحمد شعبان:

تصويرـ أحمد جمعة

في موقف الأتوبيس بدوران شبرا وقفت السيارة المتنقلة، تحمل ملصقات وصورًا لمبادرة "أطفال بلا مأوى"، نزل منها 3 أشخاص يرتدون "جواكت" خضراء مكتوبًا عليها "إحنا معاك"، ووزعوا وجبات سريعة على المشرّدين الذين يتابعونهم منذ أيام بشارع شبرا من أجل إقناعهم بترك الشارع، فيما وقعت أعينهم على "عبدالله"، طفل يشاهدونه للمرة الأولي في الخامسة عشرة من عمره، كان يقف بجسده النحيل أمام مسجد الخازندار، اقتربوا منه، بدت عليه مظاهر الخوف والارتباك، طمأنوه "إحنا جايين عشان نساعدك"، فوثق بهم، وبدأ يسرد حكايته.

على مدار أربع سنوات اتخذ الصغير من الشارع مأوى له، اعتاد من حين لآخر أن يعود إلى بيت أسرته بمنطقة فيصل، غير أنه ما يلبث أن يغادره بعد يومين على الأكثر ليعود للشارع من جديد، يرفض أن يعمل مع والده في محل بيع الطيور "بشتغل سايس في شبرا وبكسب 50 جنيها في اليوم، هروح ليه".

كعادتهم اليومية منذ منتصف يناير الحالي، ومع إطلاق وزارة التضامن الاجتماعي حملة إنقاذ المشردين، تتحرك وحدة متنقلة من ميدان رمسيس مساء كل يوم، لتجوب الميدان والشوارع المتفرعة منه، وصولا إلى ميدان أحمد حملي ودوران شبرا والسير إلى شارع شبرا، هو المسار المحدد للوحدة المتنقلة من خمس وحدات متنقلة تجوب شوارع القاهرة كل يوم للبحث عن المشردين ومتابعتهم.

حوار قصير بين ساهر سراج الإخصائي الاجتماعي بالوحدة وعبدالله كشف معلومات أولية مهمة عن الطفل وأسرته مكنتهم من التواصل مع الأب. واكتشف سراج تعرّض الطفل لمشكلات وأخطار عديدة بسبب تواجده في الشارع، منها آثار حرق بساقه، وتعاطي المخدرات.

"الأولوية لينا في الحالة دي الدمج الأسري" قالها ساهر، موضحا: "كلمنا والده وكان متعاون جدًا لأنه عارف إن أي حاجة هتحصل لابنه هيكون مسئول عنها".

"عبد الله" واحد من آلاف الأطفال الذين يعيشون في الشارع، وتقدر الجهات الرسمية عددهم بـ16 ألفًا طبقًا للدكتورة نسرين البغدادي مدير المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، ويتناقض ذلك مع أرقام أخرى أعلنتها "اليونيسيف"، منظمة الأمم المتحدة للطفولة، حيث قدرتهم بحوالي مليون طفل.

2

في منطقة قريبة، افترشت سيدة خمسينية رصيف مطلع الكوبري أحمد حملي، ملتحفة ببطانية مهترئة. اقترب منها فريق الوحدة، حاولوا إقناعها بالذهاب معهم إلى إحدى دور الرعاية، ظلت تردد كلمات غير مفهومة، ورفضت قائلة "مستنيّة ولادي".

حاولوا مرارًا أن يسلموها وجبة، غير أنها رفضت بشكل قاطع، فيما يوضح محمد سيد، وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بالقاهرة الذي رافق طاقم الوحدة، أنهم سيتواصلون مع وزارة الصحة للتعامل مع حالة السيدة، لأنها تعاني من مرض نفسي وتحتاج نقلها إلى مستشفى متخصص.

يشرح "ساهر" أنهم يتعاملون مع جميع الحالات الموجودة في الشارع؛ ويتم تصنيفهم وفقًا لأعمارهم، يقدمون للمريض الإسعافات الأولية، وقد يحولونه إلى أحد المستشفيات بالتنسيق مع وزارة الصحة إن كانت حالته تستدعي نقله. فيما يتم تحويل مدمني المخدرات لمركز مكافحة وعلاج الإدمان التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، ولذوي الاحتياجات الخاصة معاملة مختلفة، حيث يقوم مسئول إدارة الحالة بتحديد مستوى الإعاقة والسن ثم يتم توزيعه على إحدى دور الرعاية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة.

في إبريل 2017 ، بدأ عمل الوحدات المتنقلة. أضحت مهمتها الأولى البحث عن أطفال الشوارع، ومؤخرًا تغيّر ذلك بعدما تسبب البرد في وفاة اثنين من كبار السن خلال الأيام الماضية، فأطلقت وزارة التضامن الاجتماعي حملة لرعاية المشرّدين وإنقاذهم، بناءً على توجيهات رئاسية ضمن مبادرة "حياة كريمة".

سكان الشوارع

بعدها تحرك طاقم الوحدة صوب 3 شباب تتراوح أعمارهم بين الـ20 و25 سنة، ألقوا عليهم التحية وذهبوا يهم إلى مكان تواجد الوحدة المتنقلة، وزّعوا عليهم وجبات، مازحهم أخصائي النشاط بالوحدة ولعب معهم ببعض الألعاب الترفيهية التي تحويها الوحدة.

من بين الشباب الثلاثة "شعبان رجب"، 20 سنة، جاء من مركز مغاغة بمحافظة المنيا، كان يعمل في أحد المطاعم "الدنيا كانت تمام لكن الزمن وحش"، تبدّلت أحواله بسبب مشاكل أسرية، ترك منزله قبل عامين، فاحتضنه الشارع "بنام على دفاية المترو في أحمد حلمي، حالي صعب وكل ما أقول أرجع البيت مش بقدر".

في البداية رفض الشاب التجاوب مع أفراد الوحدة المتنقلة، لكن بمرور الوقت أدرك أنهم أتوا لمساعدته.

استراتيجية الإنقاذ

لكل طفل أو شاب مشرد طريقة للتعامل معه "لو فيه طفل لسة نازل الشارع من أسبوع مثلًا بالنسبة لنا سهل جدًا نرجعه"، يقول محمد رزق منسق الوحدة المتنقلة، ويشير إلى أنه في البداية يحاولون جذب الطفل بأدوات النشاط والترفيه "ونبدأ نلعب معه ونسأله أسئلة تقيس مستوى ذكائه، ونعرف معلومات أكتر عنّه وهل عنده مشاكل نفسية أو مريض وهكذا"، يدون ذلك في ملف إدارة الحالة لكل طفل، ويعقب ذلك البحث عن أسرة الطفل إن كانت موجودة، والبحث عن السبب الذي دفع الصغير للبقاء في الشارع.

إقناع المشرّد بترك الشارع ليس سهلًا، قبل ثلاثة أيام أودع طاقم الوحدة سيدة مشردة وابنتها عثروا عليهما بميدان رمسيس، داخل إحدى دور الرعاية، إلا أنها تركتها وعادت للشارع من جديد. مرّ عليها محمد رزق منسق الوحدة وسألها لماذا تركت الدار "قالتلي بنتي هترد عليك، سألتها قالت بيألكوني فول وأنا عايزة آكل فراخ"، ومسنّ آخر رفض الذهاب إلى دور الرعاية قائلًا "في الشارع الناس بترعاني"، وهو ما يراه ساهر نقص في الوعي لدى المجتمع، ما جعل الشارع يتحول إلى منطقة جاذبة لبعض الأفراد.

يعتمد طاقم الوحدة في تحديد ورصد المشرّدين على المسح القومي الذي أجري عام 2014، زادت النسبة بالتأكيد، على ما يقول ساهر "اعتمدنا على المسح وعلى خبرات كل واحد، كونا بننزل نعمل مسح واستكشاف للشوارع بالكامل والناس بتساعدنا، وفي من المشردين أحيانًا بيساعدونا"، بعد رصد المشردين يتم التعامل معهم وفقًا لآلية واستراتيجية معينة.

"عبد الله".. من الشارع إلى أحضان أسرته

في شارع المنشية بالطوابق بمنطقة فيصل بالجيزة، بدا استقبال والد "عبد الله" لفريق الوحدة باردًا؛ لم يبد أي انفعال حين رأى نجله. رحب بضيوفه وفي داخل الشقة التي استأجرها الرجل القادم من مركز العدوة بالمنيا، بدأ يحكي عن معاناته مع ابنه "مش حارمه من حاجة، هو بيحب الشارع وبيشرب مخدرات".

وانفعل وهو يذكر أن عبد الله ترك العمل معه في محل الطيور واختار الشارع بديلًا، حاول أخصائيو الوحدة تهدئته، موضحين أن عبد الله في النهاية طفل قد أخطأ، وتحدثوا عن المخاطر التي تعرّض لها في الشارع، فيما هو يظل يردد "ربنا يهديك يا ابني".

في النهاية أقنعوه بعودة الطفل إلى حضن أسرته، "لازم نفهّم الأب إزاي يربي ابنه ونعرف الطفل إن ده بيته وأسرته ووجوده معهم أحسن من الشارع" يقول ساهر، الذي اخبر الأب بأن هناك أخصائي إدارة حالة "عبد الله"، سيأتيه في اليوم التالي ويبدأ تنفيذ خطة لعلاج عبد الله من تعاطي المخدرات، وكسر الحواجز التي تعوق إعادة دمجه بأسرته.

من السادسة مساءً وحتى الثانية عشر ليلًا، جاب طاقم الوحدة في منطقة رمسيس وأحمد حلمي وشبرا، مرّوا على المشردين من كبار السن، قدموا لهم إسعافات أولية، وزعوا وجبات سريعة وبطانيات تقيهم برد الشتاء القارس، على أمل أن يكسبوا ثقتهم من أجل إيداعهم داخل إحدى دور الرعاية "الموضوع ممكن يقعد شهرين تلاتة عشان تعرف تجيب حد من الشارع وتخليه يستقر في دار رعاية، لازم يكون الموضوع عن اقتناع عشان ميهربش"، يقول ساهر.

فيديو قد يعجبك: