إعلان

مأساة حريق شينجيانغ.. هل السبب استراتيجية "صفر كوفيد"؟

07:21 م الأربعاء 07 ديسمبر 2022

مأساة حريق شينجيانغ أرشيفية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

(دويتشه فيله)

ألمح الرئيس الصيني بأن بلاده يمكن أن تتبع سياسة أقل تشددا في مواجهة كوفيد بعدما أثار حريق اندلع في مبنى سكني في شينجيانغ احتجاجات واسعة نادرة. فهل ساهمت استراتيجية "صفر كوفيد" الصينية في ارتفاع حصيلة الضحايا؟ DW تتحقق.

أمام مبنى بلدية أورومتشي في شينجيانغ بشمال غرب الصين، كان هناك ثمة مبنى سكني شاهق، وكان مقصدا للكثيرين الراغبين في العيش في المبنى برفقة رجال أعمال أثرياء.

في مقابلة مع DW قال أحد أبناء أقلية الأويغور إن عمه وعمته كانا فخورين بالعيش في شقة واسعة باهظة الثمن في الطابق التاسع عشر بالمبنى، وأنفقوا الكثير لشراء الأثاث وفرش البيت. وأضاف أن أسرة عمه انتقلت من مدينة هوتان إلى أورومتشي، عاصمة إقليم شينجيانغ، من أجل حصول الأطفال على فرص تعليم أفضل.

بيد أن الأمور لم تسر كما كان مخططا لسببين: الأول تمثل في إلقاء القبض على عمه في حملة قمع شنتها السلطات الصينية ضد الأويغور، حيث كان واحدا من سكان المبنى الذين تم احتجازهم داخل مراكز اعتقال أقلية الأويغور التي أطلقت عليها السلطات الصينية اسم "معسكرات إعادة التأهيل".

أما السبب الثاني فكان وقوع كارثة الحريق الذي اندلع في الطابق الخامس عشر من المبنى السكني، وسرعان ما انتشر في المبنى في الرابع والعشرين من نوفمبر، وقالت السلطات الصينية إن الحريق أودى بحياة 10 أشخاص فضلا عن إصابة تسعة آخرين بسبب استنشاق أبخرة سامة. في المقابل، شكك نشطاء في حصيلة القتلى وقالوا إن الحريق أسفر عن مقتل العشرات.

وبعد أيام من الحريق، قال الرئيس الصيني شي جينبينغ لرئيس مجلس الاتحاد الأوروبي شارل ميشال خلال استقباله في بكين: إن انتشار المتحورة أوميكرون الأقل فتكًا بين متحورات كوفيد-19 قد يسمح لبكين بتخفيف قواعد الإغلاق، حسبما نقله مسؤولون أوروبيون. وقال أحد هؤلاء المسؤولين إن شي أخبر ميشال أن "الشعب الصيني يشعر بالاحباط" بعد ثلاث سنوات من تفشي جائحة كوفيد.

التوقيت حاسم

وبالعودة إلى ملابسات الحريق وفي ضوء سيطرة السلطات الصينية على وسائل الإعلام والإنترنت وحتى الاتصالات المحلية، فإن الحصول على معلومات موثوقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمنطقة شينجيانغ، يمثل تحديا.

ومن أجل معرفة ما وقع في الليلة التي شهدت الحريق، تحدثت وحدة الصحافة الاستقصائية في DW مع مصادر على دراية بالمبنى وأيضا أصحاب الشقق وأقارب ضحايا وخبراء في مجال الإطفاء، فضلا عن التحقق من مقاطع مصورة عن الحريق.

في البداية، بدا واضحا أن رجال الإطفاء واجهوا مشكلة في الاقتراب من المبنى كما وثقت مقاطع مصورة جرى التحقق منها من قبل فريق DW الاستقصائي.

فقد أظهرت مقاطع مصورة عديدة رجال الإطفاء وهم يستخدمون خرطوم إطفاء من أجل إخماد النيران، بيد أن المياه لم تصل إلى الحريق. فيما كشفت مقاطع أخرى عن محاولة رجال الإطفاء إزالة الحواجز المرورية في مسعى للاقتراب من المبنى.

وفي ذلك، قال شون ديكران، مدير خدمات السلامة التشغيلية في الرابطة الدولية لرجال الإطفاء، إن عامل الوقت "حاسم وبالغ الأهمية".

وأضاف في مقابلة مع DW "تنتج المنتجات الصناعية التي تتواجد في المنازل والشقق سيانيد الهيدروجين وأول أوكسيد الكربون وعددا من الغازات القاتلة التي تضعف السكان أكثر من النيران".

أسباب الوفيات؟

تزامن اندلاع الحريق مع فرض قيود إغلاق على مدينة أورومتشي منذ أكثر من مئة يوم، وهو الأمر الذي أثار غضبا على مواقع التواصل بشأن سياسة بكين الصارمة التي يرى لبعض أنها ساهمت في إبطاء جهود الإغاثة ومن ثم تسببت في سقوط عدد أكبر من القتلى.

ما صحة ذلك؟

في مقابلة مع DWأفادت مصادر ذات دراية بالوضع في المبنى بأن العديد من السكان لم يتمكنوا من الهروب بسرعة كافية، لأن من يخضعون للحجر الصحي لزم عليهم البقاء في شققهم. وأظهرت الصور التي تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي الصينية أبوابا موصدة على سلالم الطوارئ التي تُستخدم للهروب في حالة اندلاع حريق.

ورغم أن DW لم يتسن لها التحقق من مصداقية الصور، إلا أن المصادر قالت إن السلطات الصينية استخدمت مثل هذه التكتيكات.

وفي مقابلة مع DWقال شخص، رفض الكشف عن هويته خوفا على سلامة اسرته، إنه عندما تأتي نتيجة اختبار كورونا إيجابية لأحد أفراد الأسرة، فإن الشقة تغلق( ما يعني فعليا حجز كل أفراد الأسرة في الداخل. وأضاف أنه عندما تصبح نتائج الاختبارات سلبية، فإنه لا يتم غلق المسكن، لكن يتم تركيب أجهزة على الباب لتنبيه السلطات عندما يحاول أحد السكان المغادرة.

أما السلطات فقد ألقت بالمسؤولية عن سقوط قتلى على الضحايا أنفسهم بدل الإقرار بتأثير سياسة كورونا الصارمة على جهود الإخلاء، إذ قال لي ون شنغ رئيس قسم الإنقاذ في أورومتشي، إن "قدرات بعض السكان على إنقاذ أنفسهم كانت ضعيفة للغاية".

توافر المعلومات؟

وفي الصباح التالي للحريق، تفاجأ عبد الحفيظ ميميتيمين الذي يعيش في سويسرا بقيام صديق له من الأويغور بالاتصال به، ويعد هذا الأمر نادرا ويدل على حدوث مصاب جلل! إذ من يعيش من الأويغور خارج شينجيانغ يعرف جيدا أن مجرد مكالمة هاتفية أو رسالة من الخارج يمكن أن يقود بمن يعيش في شينجيانغ إلى السجن.

وثال عبد الحفيظ في مقابلة مع DWإن صديقه أبلغه بالخير المروع وبأن عمته وأطفالها الأربعة قد لقوا حتفهم جميعا في الحريق، مضيفا "انقلبت حياتي رأسا على عقب".

وأشار إلى أنه لم يستطع الشرب أو النوم، وكان يشعر بالدوار على مدى أيام بعد معرفته بالفاجعة، مضيفا "لقد ماتوا بسبب سياسة صفر كوفيد الصينية". وقال إن شخصا يعيش في المبنى أكد له أن أبواب الشقة التي تخص عمته وأطفالها كانت مقفلة بالفعل.

وقد أفاد مصدران آخران لـ DW بأن منافذ الطوارئ التي تستخدم عند اندلاع حريق داخل المبنى كانت مغلقة. مما يعني أن السكان اضطروا إلى الاعتماد على مصعدين صغيرين في كل جزء من المبنى للهروب، لكن المصدرين قالا إنه جرى قطع الكهرباء من قبل العمال مما أدى في نهاية إلى المطاف إلى حصار السكان داخل المصاعد.

تكلفة الخسائر

ويبدو أنه من غير الواضح تحديد السرعة التي تمكنت بها السلطات من إخلاء المبنى وأيضا هل كان قد جرى إخلاء المبنى بالكامل في ضوء الصعوبة التي واجهها رجال الإطفاء لإخماد الحريق، الذي ربما استغرق قرابة ثلاث ساعات؟

أما الأشخاص الذين امتلكوا جرأة كبيرة للتشكيك في صحة رواية السلطات على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد واجهوا عواقب سواء فرض غرامات أو الاعتقال.

وفي هذا السياق، قالت شرطة أورومتشي إنها احتجزت شابة عمرها 24 عاما لنشرها "معلومات كاذبة" بشأن حصيلة القتلى. فيما دعت السلطات السكان إلى "مقاومة الشائعات عبر الإنترنت" و "الحفاظ على النظام بشكل مشترك من أجل الوقاية من الأوبئة ومكافحتها".

أما أبناء أقلية الأويغور خارج البلاد، فقد أتاح لهم الحريق فرصة لم تتكرر منذ سنوات تمثلت في الاتصال بذويهم ممن يعيشون في شينجيانغ، بيد أن مصادر ذكرت لـ DW أن الأمر لم يستمر طويلا، إذ جرى نقل السكان من المبنى المشؤوم إلى مواقع أخرى تماشيا مع قواعد الصين الصارمة لمكافحة كورونا!

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: