إعلان

الرئيس مَعذور ... "وأنا كمان" 1/3 !

إبراهيم علي

الرئيس مَعذور ... "وأنا كمان" 1/3 !

إبراهيم علي
07:40 م الإثنين 22 سبتمبر 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

جمعني قبل عدة أيام لقاء مع أحد الأصدقاء - والذي كان يعمل قاضيًا حتى وقتٍ ليس ببعيد - كعادة تلك اللقاءات، نستهلها بالحديث عن المسائل الشخصية والاطمئنان على الأحوال، وما كشفت عنه الحياة وما قد تُخْبِئه في قادم الأيام، ثم نَتحول مباشرةً إلى الشأن العام.

وفقًا لمنطق الأمور، تقفز وبسرعة كبيرة، وبدون مُنافس (أحداث غزة)، على طاولة الحوار، وهي أحداث من فَرط هَوْلِها لا يُمكن أن تَسِعَها أو تُحِيطها مائدة حوار، أي كان عدد الجالسين حولها، ومهما طال وامْتدَّ نقاشهم، ولِمَ لا، فنحن أمام عمليات إبادة جماعية ومجازر دموية، وتطهير عرقي، ونزوح قسري، يتم بث وإذاعة تفاصيلها على الهواء مباشرة، وعلى مدار الساعة، في سابقة هي الأولى في تاريخ البشرية: أنهار من دماء الأبرياء لا تجف، مُحتل بلغ من الفجور مبلغه، مدنيون عزّل يموتون من الجوع، ما لم تحصدهم قذائف وصواريخ المقاتلات الجوية والدبابات.

ذلك كله والكثير غيره، يجري وسط عجز غير مسبوق من الكافة إقليميًا ودوليًا، باستثناء عبارات الشجب والاستنكار "سيئة السمعة"، التي باتت تنال من قائلها قبل غيره.

أعود مرة أخرى لصديقي، الذي أدرك أنني في حالة غضب وحزن شديدين جراء ما يتعرض له أهلنا وأبناؤنا في فلسطين على يد الكيان المحتل سارق الأوطان، وأدرك كذلك رفضي لحالة العجز الدولي والأممي، العربي والإسلامي تجاه هذا الفجور الصهيوني...

بلهجة حاسمة، وجّه لي صديقي سؤالًا مباشرًا، وهو: ما الذي كنت ستفعله لو كنت رئيسًا لدولة عربية أو إسلامية؟ ما الذي يمكنك أن تقوم به لردع هذا المجرم المسمى "نتنياهو"؟

قلت له:

سأقوم فورًا بتوجيه ضربات لعمق تل أبيب، ضربات قاسية ومستمرة تجعلهم لا يغادرون الملاجئ، سأذيقهم معاناة "طفل تَيَّتَم"، "وزوجة تَرَمَّلت"، "وأم ثكلى"، سأحول حياتهم إلى جحيم، وسأفتح عليهم أبواب جهنم، وسأكسر الحصار وأُدخِل المساعدات، باختصار لن أترك الفلسطينيين فريسة لهم وسنقف معهم في خندقهم ضد هذا العدو الصهيوني.

قال لي صديقي:

أريدك أن ترتدي ثوب الرئيس جيدًا، وأن تجلس على كرسيه حقًا، وأن تنظر بعينيه.

قلت له:

ماذا تقصد؟

قال لي:

ألا تتفق معي أن الرئيس يجب ألا تتحكم فيه عواطفه، ويجب أن يحسب حساباته، ويُحصي خياراته جيدًا، ويُعِد تقدير موقف، ويدرس نقاط القوة ونقاط الضعف، ويستعرض التحديات والمخاطر المحتملة، وأن أي قرار سيتخذه يجب أن يَسْبِقه دراسة مُتأنية، ويوازن بين إيجابياته وسلبياته، وانعكاساته وتداعياته المباشرة وغير المباشرة على بلاده وشعبه؟

قلت له:

نعم أوافقك.

قال صديقي:

ألا تتفق معي أيضًا أن أي رئيس يستطيع أن يرى أمورًا كثيرة نحن نجهلها لأننا لا نملك رؤية الصورة كاملة، وهو وحده يستطيع ذلك، بسبب تعدد مصادر معلوماته والتي يستقبلها من أجهزته المختلفة على الصعيد العسكري والأمني والاقتصادي والاجتماعي... الخ. وأنه حينما يُقدِم على اتخاذ خطوة، يضع في اعتباره كل تلك المعطيات وغيرها.

قلت له:

نعم أوافقك.

قال صديقي: إذن لا يمكننا أن نحكم إيجابًا أو سلبًا على موقف هذا الرئيس أو ذاك، إلا إذا جلسنا حقيقة في مكانه وأحطنا بما يحيط به من معلومات وتحديات وخيارات وتقديرات.

قلت له:

أيضًا وللمرة الثالثة أوافقك.

لكنّي ما زلت عند رأيي، أنه لابد وأن نكون عونًا وسندًا للفلسطينيين ونوقف ما يفعله هذا الشيطان في حقهم، يجب أن يكون هناك حل، يجب أن يكون هناك ما يمكن أن أفعله إذا كنت رئيسًا.

قال صديقي:

إن الرئيس على هذا النحو قد يكون معذورًا.

قلت له:

وأنا أيضًا معذور، هو قد يكون معذورًا في ضوء ما يعلمه، وأنا معذور في ضوء ما لا أعلمه، هو معذور إذا كان من بين ما يعلمه ما يحول بينه وبين ما نتوقع وننتظر أن يقوم به، لكن في الوقت نفسه أنا معذور لأن مرجعياتي الدينية والأخلاقية بل والإنسانية تُطالبني بأن أفعل شيئًا لرفع الظلم عن إخواننا.

وقلت له أيضًا:

إن كان الرئيس معذورًا ولديه أسبابه الحقة التي انتهت به إلى ما نراه أمام أعيننا من مواقف، وما لا نراه أيضًا بسبب عدم جواز الإعلان عنها - ونحسبها كثيرة وإيجابية - فإنني كنت أتوقع أن يصدر الرئيس قرارًا بمنع إقامة الحفلات أو المهرجانات، بل وإعلان الحداد إذا لزم الأمر، لأنه لا يمكن أن نقيم أفراحًا، وبجوارنا سرادق عزاء كبير بحجم وطن... لا يمكن أن تسير حياتنا طبيعية، فيما كما يُقال: "... وهذا أضعف الإيمان".

قال لي صديقي:

وأنا أوافقك وإن كان اقتراحك متأخرًا، إلا أنه ما زال ممكنًا، لكن لابد وأن يكون داخل سياق منظم وفي وقت محدد حتى يحقق الهدف منه على كافة المستويات.

....... وما زال الحوار مفتوحًا.

إعلان

إعلان