إعلان

تنفيسة| «العقاد».. أول من انتقد هتلر (1 – 3)

محمد جادالله

تنفيسة| «العقاد».. أول من انتقد هتلر (1 – 3)

محمد جادالله
07:00 م الإثنين 23 يونيو 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

العقاد قوة فكرية من قوى الأمة العربية، بنى مجده الأدبي الأصيل من ذاته، وشقَّ طريقه الصخري الطويل بسنِّ قلمه، فلم يعتمد على منصب، ولم يستند إلى درجة علمية. وإنما ألقى بنفسه في المعترك، وعانى المرض، ودخل السجن، واعترضت طريقه عوائق من الخصومات السياسية والأدبية، فأزالها ببراعة، وصمد أمام خصومه صمودًا يفوق صمود جرير في وجه شعراء الثمانين الذين مَنُّوا بهم ومَنُّوا به.

فهو الأديب الموسوعي الذي لم يقتصر نشاطه على حقلٍ من حقول المعرفة، بل سعى إلى الثقافة بوصفها كلًا لا يتجزأ، تسنده في ذلك نفسٌ ثائرة، وطموحٌ مقرون بالعمل، وصمودٌ في وجه الأحداث، وإخلاصٌ في الوطنية والكفاح، وولعٌ عظيم بالدراسة، وعمقٌ متزن في البحث، ودفاعٌ عن القيم الصالحة والمثل العليا.

ذلك هو العقاد في حياته، منذ انكبابه على تثقيف نفسه، وحتى يوم نعيه.

لقد كان العقاد، بطبعه، ميّالًا إلى رفض الجمود والتقليد ومباركة الواقع كما هو، بل كان كثير التأمل، يقارن بين حياة العرب الواقعية وما ينبغي أن يكونوا عليه. كان دائم الدعوة إلى المجد والبطولة والعزة، وإلى العلم، والتمسك بالأخلاق، والعمل على رفع المستوى الاقتصادي للبلاد. كما دعا إلى تحرير العقول من الاستعمار الروحي الذي أصابها، فراح يشرح تعاليم الإسلام في كتبٍ متعددة تُعد من أعمق ما كُتب عن هذا الدين القويم.

وأهم صفة تبرز في حياة العقاد هي قدرته الفذة على تحليل نفوس العظماء وتصوير جوانب العبقرية فيهم. لذلك نجد أنه أولى هذا الجانب اهتمامًا كبيرًا في إنتاجه، سواء في الشعر أو النثر؛ فقد كتب عن أعظم شخصيات العالم كتبًا، ومقالات، وقصائد، أفصح فيها عن أسرار بطولتهم وأسباب عظمتهم. وكأنه، من خلال اطلاعه على حياتهم، كان يُعيد بناء حياته هو، فاقتبس منهم مقوّمات البطولة، وانتهجها في مسيرته؛ فدأب على العمل صابرًا، وكرّس نفسه للدراسة والتفكير، حتى أصبح من أساطين العلم والفلسفة والأدب في القرن العشرين.

ومن هنا انبثقت رسالة العقاد ودوره في نقل ثقافتنا من عصر إلى آخر، شأنه في ذلك شأن كبار قادة الفكر، الذين لم تكن رسالتهم أن يُضيفوا معرفة إلى معرفة من جنسها، بل أن يُحدثوا تغييرًا في نوع المعرفة، وينقلوها إلى أسلوب جديد أكثر فائدة وتأثيرًا. ويمكن للقارئ أن يلمس هذه الرسالة وذلك الدور بوضوح، إذا قارن بين حال الثقافة في بدايات القرن العشرين، حين بدأ العقاد يشق طريقه، وحالها في ستينياته.

كان لاندلاع الحرب العالمية الأولى أثر بالغ على مهنة الصحافة، مما دفع العقاد إلى الانصراف مؤقتًا إلى مهنة التدريس، مع استمراره في مراسلة بعض الصحف. ثم انتقل إلى الإسكندرية للعمل في جريدة الأهالي، قبل أن يعود إلى القاهرة ليصبح من أبرز كُتّاب الثورة المصرية حتى وفاة سعد زغلول. وقد كتب خلال مسيرته لعدد من الصحف المهمة، منها: اللواء، الجريدة، الظاهر، المؤيد، الأهرام، الرسالة، وأخبار اليوم، التي استمر في الكتابة فيها منذ عام 1953م وحتى وفاته.

امتلك العقاد ملكاتٍ ذهنية خصبة، تجلّت في غوصه العميق وراء المعاني، وفي تولياته وتفريعاته التي كان يلحّ عليها، وفي أدلته العقلية التي يدعم بها آراؤه، وتأملاته وتحليلاته المستفيضة. لقد شق العقاد طريق حياته معتمدًا على عقله وقلمه. وقد عُيِّن في عام 1938م عضوًا في مجمع اللغة العربية، فأخذ يرفده (يعطي أو يقدم) ببحوثه اللغوية القيّمة، وآرائه السديدة في المصطلحات العلمية. كما ظل يمدّ الصحف والمجلات بمقالاته الأدبية والسياسية، وكان يعقد ندوة أسبوعية كل يوم جمعة (الصالون)، استمرت نحو ثلاثين عامًا حتى وفاته.

يتضح أن العقاد كان واسع الاطّلاع، ذا قدرة مميزة على البحث والتنقيب والنبش في الكتب، بمختلف تخصصات العلوم والدراسات والبحوث والمؤلفات والنتاجات الفكرية. وقد كان يقوده في ذلك ولعه العميق بالمعرفة، وجده، ومثابرته الشديدة. ويمكن تَلمّس هذه الصفات والمزايا من خلال كتاباته المتنوعة في الموضوعات الأدبية، إذ يبدو مثقفًا إلى أقصى درجة، صاحب ثقافة موسوعية عميقة، ورسوخٍ في الأدب والعلوم الإنسانية كافة، وذلك كنتيجة طبيعية لشدة ولعه واطلاعه وشغفه بالعلم والأدب، وانكبابه المستمر على الإنتاج الفكري والإرث العلمي، قديمه وحديثه. فإن شخصًا بهذه الغزارة في الاطلاع يصبح كذلك غزير الإنتاج الأدبي والفلسفي والفكري.

ولهذا نجد أن إنتاج العقاد العلمي والأدبي يتسم بالغزارة والثراء، على نحوٍ قلّما يجتمع في مُؤَلِّف واحد. ومثالٌ على ذلك أنه، منذ قيام الثورة المصرية سنة 1952م وحتى وفاته سنة 1964م، ألّف أربعين كتابًا. ويُعَدّ هذا الإنتاج، خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة، دليلًا واضحًا على كثافة جهده الأدبي، وجدية عطائه، وقوة عزيمته، ومثابرته، وقدرته الفائقة على التأليف والإبداع.

وهنا تبدأ قصة العقاد، لنزيح الستار عن سيرته ومسيرته، ونتساءل: ما حكاية معاركه الأدبية؟ وما تفاصيل مغامراته النسائية؟ وماذا عن عدائه الشديد لهتلر، الذي دفعه إلى الفرار نحو السودان؟ وما الذي دفعه لطرد الرئيس السادات من صالونه؟ إجابات هذه التساؤلات ستكون موضوع مقالنا القادم، إن قدّر الله لنا البقاء واللقاء.

mohamedsayed@art.asu.edu.eg

إعلان

إعلان