إعلان

مهرجان خاص جدًا

أسامة عبد الفتاح

مهرجان خاص جدًا

أسامة عبد الفتاح
07:05 م الأربعاء 08 مارس 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


بعض الصداقات تدوم وتعيش رغم كل شيء حتى الموت، ولا أبالغ إذا قلت إن صداقتي بالعزيز جدا، الناقد المغربي الراحل "مصطفى المسناوي"، استمرت بعد رحيله المؤلم المفاجئ عام 2015.. فكما كنا نحضر سويا المهرجانات السينمائية ونتناقش حول عشقنا المشترك، الفن السابع، فقد كان المسناوي سبب حضوري مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر المتوسط لأول مرة عام 2017 عضوًا في لجنة تحكيم جائزة النقد التي تحمل اسمه، ودخولي عالم ذلك المهرجان الرائد العريق، والخاص جدا، الذي يستحق كل دعم من كل سينمائي داخل وخارج المغرب لكي يواصل أداء دوره الفني والثقافي والتنويري، ليس فقط في المغرب، ولكن في المنطقة كلها.

هناك الكثير من المهرجانات العربية والمغربية، ولكن "تطوان"، الذي وصل عدد دوراته إلى 28 في مارس الحالي، يتميز بأنه مهرجان حميم، يتلاحم مع جمهوره، ويقيم عروضه بين الناس في قلب مدينة تطوان الشمالية الجميلة العريقة، في دور عرض حميمة هي الأخرى أقربها إلى قلبي "أبينيدا" وقاعة المعهد الفرنسي.

وكما تتلاحم إدارة المهرجان مع الجمهور، فإن أفرادها يتلاحمون مع بعضهم البعض، ويعملون بروح جماعية مدهشة لا تستطيع إزاءها أن تميز الأدوار والمناصب، بل يعمل الجميع وكأنهم شخص واحد بشوش ومتعاون، من الذين يتولون القيادة، الأصدقاء الأعزاء أحمد الحسني وعبد اللطيف البازي وإدريس السكايكة وسارة الركراكي ومحمد هاني، إلى الشبان النشطين الذين يتعاونون معهم.

الأهم أنه مهرجان يعي جيدا هويته ولا يحيد عنها مثل بعض المهرجانات الأخرى، فهويته المتوسطية هي التي تميزه عن غيره، ولذلك يقيم الندوات الموسعة وحلقات البحث والورش لبحث قضايا في غاية الأهمية تتعلق بشكل مباشر بتلك الهوية المتوسطية وبقضايا المتوسط الحساسة، مثل قضية الهجرة غير الشرعية، التي ناقشتها – في دورة سابقة – ندوة بعنوان "الحدود في السينما المتوسطية" شارك فيها نقاد سينمائيون وباحثون جادون ناقشوا مجموعة من المحاور، من بينها "الحدود والهجرة السرية"، و"صورة المهاجر في السينما الأوربية"، من خلال نماذج إسبانية وفرنسية وإيطالية، وقضية "الحدود والنزاعات"، وموضوع "الحدود في السينما الفلسطينية".

ونوقش من قبل موضوع "السينما المتوسطية بصيغة المؤنث" لدعم قضية المرأة، من منطلق أن السينما، وإن كانت فنا شعبيا يفتح أبوابَه للجنسين، إلا أنها مازالت خاضعة لهيمنة الرجال، ولا تمنح المرأة نفس حظوظ الرجل، خاصة في العالم العربي، حيث تعد السينمائيات على الأصابع، لتظل الفوارق واضحة وصارخة في المجتمع العربي السينمائي. وطُرحت كذلك قضية تدريس السينما في دول المتوسط في ملتقى المعاهد السينمائية المتخصصة الذي استضافه المهرجان، والذي مثّل مصر فيه المعهد العالي للسينما، للاستفادة من التجارب المتوسطية في تطوير مدارس السينما ومعاهدها، والوقوف على آخر المستجدات وأحدث أساليب تدريس السينما في المنظومة التعليمية المتوسطية عربيا وأوروبيا.

وإلى جانب قضايا المتوسط، يطرح المهرجان قضايا عامة تهم السينمائيين في كل مكان، مثل الموضوع الذي تم اختياره للندوة الرئيسية عام 2018، وهو "السينما والحريات"، وكان في نفس الوقت شعارا لدورة ذلك العام. وكان الهدف من الندوة بحث إشكاليات العلاقة بين حريات الإبداع ومختلف السلطات (السياسية والدينية والأخلاقية والفنية.. إلى آخره)، مع محاولة الإحاطة بهذه المفاهيم المعقدة التي تؤسس للعلاقة بين المواطنين والسلطة وفهم مختلف أبعادها.

وهذا العام، ناقشت الندوة الرئيسية، يوم الأربعاء 8 مارس الحالي، قضية بعنوان "الرقمي والجمالي والأخلاقي" حول الجماليات البصرية والمضامين في عصر التكنولوجيا الرقمية، بمشاركة كل من: يارا يانس ومحمد أولاد علا وطارق بن شعبان وديفيد روش، في حين أدارت الندوة نادية مفلاح.

قضايا مهمة وبرامج ثقافية ثرية وعميقة لا يلتفت إليها الكثير من المهرجانات العربية.. ولكي يستمر مهرجان تطوان في أداء ذلك الدور الثقافي التنويري، أدعو إلى ما دعت إليه يوما إدارته من ضرورة وفاء جميع الأطراف بالتزاماتها من أجل دعمه، خاصة بعد أن أبلغني مسئولوه بأنهم بصدد تطوير برامجه وأقسامه بشكل شامل خلال الفترة المقبلة.

هي أيضا قضايا تترك خلفها أسئلة حائرة بلا إجابات، وإشكاليات صعبة يمكن وصفها إجمالا بـ"سينما المسافات البعيدة"، التي يصعب تحقيقها دون بذل جهد كبير، تماما مثل المسافات الطويلة التي تفصل بين مقرات إقامة الضيوف وقاعات عروض وندوات المهرجان، والتي تصيب ضيوفه بالإرهاق وباتت تستلزم حلا ينقل الإقامة قرب العروض أو العكس، وهو بلا شك شأن لوجيستي يخص سلطات المدينة والدولة أولا قبل إدارة المهرجان.

إعلان