إعلان

التقدم للخلف والحنين إلى صدام والقذافي

د. هاني نسيره

التقدم للخلف والحنين إلى صدام والقذافي

د. هاني نسيره
06:55 م الأربعاء 29 مارس 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


من آنٍ لآخر نطالع حنين البعض، هنا أو هناك، للعودة للماضي، واعتبار ما تم إنهاؤه أفضل مما يعيشونه، نشاهدها في تمني البعض لعودة صدام حسين في العراق وغيره، ووعد ابنته بمحاولة ذلك، أو عودة القذافي لليبيا أو عودة ابنه كحل لها كما نشاهده في تمني البعض عودة على عبد الله صالح لليمن، وهي الدول التي شهدت أزمات وتغيرات دموية أدت لخلعهم، وانتهت بمشهد مرعب ومرير خاصة في مشهد نهاية هؤلاء الثلاثة.
ويمتد هذا الحنين بتمنى البعض لعودة الشاه والشاهية في إيران، وهو ما تتم ترجمته في العودة النشطة لظهور ابنه الأكبر رضا بهلوي الثاني، خاصة خلال تظاهرات ميسا أميني ضد نظام الولي الفقيه في إيران، ومن آن لآخر نشاهد مثل ذلك في حنين البعض لعصر الملكية مثل حكم العلويين للعراق وخاصة حكم الملك فيصل والذي انتهى مع خلفه بمذبحة دموية لم تنج منها غير طفلة صغيرة سنة 1956 على يد انقلاب عبد الكريم قاسم، أو الحنين لعودة الملكية في مصر، مثل حكم الملك فاروق قبل ثورة يوليو سنة 1952 وهو ما تنشط دعوته وصداه في صفحات عديدة على الإنترنت لإنصاف هذه الفترة، وتعلو نبرته مع زيارات نجله الأمير أحمد فؤاد لبعض آُثاره من آن لآخر.
كما قد يكون الحنين لماضٍ آخر كما نطالع ذلك في حنين إلى حكم أحد الرؤساء السابقين واستعادة نظامهم، من عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك، وهو ما قد يجد تجسيده كذلك في مشاهد أخرى من آن لآخر.
يأتي هذا الحنين في وجهين أحدهما إيجابي في بعض الأحيان، وهو إنصاف هذه الفترات السابقة من التشويه التاريخي الذي لحقها من خصومها بعد سقوط مرحلتها، وهو أمر علمي وموضوعي يحدث من آن لآخر، ويمتد لفترات تاريخية مختلفة من القديم إلى الجديد، ومن مصر القديمة والعراق القديمة إلى غيرهما من الحضارات والمناطق حتى الآن، وهو أمر لا غبار عليه طالما حاول إنصاف ما تم طمسه وكشف الحقائق وفق الآثار والوثائق التي أهملت أو اكتشفت مؤخرا.
أما وجهه السلبي في أن البحث في الماضي عن بديل للحاضر، هو نتيجة مرة للإحساس بهذا الواقع ومراراته، وخاصة الحروب الأهلية وانخفاض مستوى المعيشة، وتشظي بلدان مختلفة وانقساماتها وصراعاتها، كما هو الحال في عراق ما بعد صدام حسين أو ليبيا بعد القذافي حيث يبدو الانقسام والاحتراب الأهلي مشهدا ماثلا.
ولكن يتجاهل هذا الحنين المأزوم من واقعه أنه يطرح بديلا لما هو كائن، ما كان كائنا وقائما بالفعل، ويتجاهل تبعات وشكايات الناس حين كان هذا الماضي حاضرا وسياقا دفعت ظروفه للثورة عليه والخروج منه، ويتجاهل دائما السؤال والتساؤل عن أنه بإنتاجه الماضي سينتج ظروفه وحاضره ومستقبله الذي ترتب عليه وعلى أخطائه.
فلو عاد صدام بنفس عقليته وسياسته ستعود حروبه مع جواره، من إيران إلى الكويت إلى صدامه مع القوى الغربية والعربية في زمنه، وكذلك ما أثير وقيل حول فترة حكمه من تمييز طائفي عنيف ضد الشيعة الذي فضلوا سقوطه أمام المحتل على بقائه حين قتل أئمتهم وأغلق مزاراتهم.. وغير ذلك كثير.
وكذلك ماذا لو عاد القذافي، وسيطرة أسرته على الحكم، وإقصائه لمعارضيه، وقضائه التام والمبرم على الحكم الملكي السنوسي و السنوسية، التي يظهر من آن لآخر حنين إلى ملكيتها كذلك، وخاض حروبه مع تشاد وعامل معارضيه بما عاملهم به، وتعاطى بنفس خطابه الصراعي والهوياتي والذاتي الفوضوي مع قضايا العالم والإقليم، ألن تعود الثورة عليه ونعود للنقطة نفسها..
لا يمكن التقدم إلى الوراء ولا يمكن تغيير الحاضر نحو المستقبل بلغة الماضي، وعقلية استعادة الماضي كحل هي ليست فقط فقط على أزمة الواقع بل أيضا على متاهته وعجزه، فهو غير قادر على النقد الذاتي المتجاوز نحو المستقبل، ولكن يستعيد صوره المستقرة، قياسا لما يتخيله إمكانية خروج من أزمة ليس الماضي بريئا منها تماما، ولم يكن تغييره اختيارا أو قسرا إلا مخرجا ونتيجة طبيعية لسياقه وممارساته في هذا الماضي.
لا يمكن تغيير الواقع إلا بمقدرات الواقع وبالانتباه للمستقبل والاستفادة من أخطاء الماضي وعدم تكرار تجاربه واجتراره، فالواقع وموازينه ومشاكله يحتاج رؤية موضوعية ونقدية لمشاكله تتحرك نحو المستقبل بعقلية المستقبل والاستدامة وليس بعقلية الاجترار والتكرار والاسترجاع العاطفي لما يظن البعض أنه أفضل، ولكنه لم يكن حلا بل مصدرا لمشاكل أسقطته كذلك.

إعلان