إعلان

عاصفة الصحفيين

نقابة الصحفيين

عاصفة الصحفيين

أسامة شرشر
07:29 م السبت 25 مارس 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا شك أن انتخابات نقابة الصحفيين أحدثت زلزالًا صحفيًا ومهنيًا، ونتيجتها كانت مفاجئة للجميع؛ فالجمعية العمومية والجماعة الصحفية احتشدت منذ الصباح الباكر، فى ظاهرة غابت طويلًا عن انتخابات نقابة الصحفيين.

فكانت عاصفة الصحفيين رسالة فى كل الاتجاهات لمن يهمه الأمر، وجاءت معبرة عن مكنون أعضاء النقابة، وحالة الغضب داخل الصحفيين من بعض الوجوه الإعلامية التى تسىء للدولة المصرية فى تدخل فاضح وسافر وبه توجيه اتهامات للآخرين بلا أدلة أو مستندات.

وأعتقد أن الدولة المصرية أحسنت التصرف بعدم التدخل من قريب أو بعيد فى نتائج الانتخابات، كما ظن البعض، وهو ما أحدث نوعًا من الطمأنينة، واستعادة الثقة، وأكد أن ما ردده بعض الإعلاميين للأسف الشديد لا يعبر عن وجهة نظر الدولة التى تعاملت مع كل المرشحين من مسافة واحدة، ليس بالأقوال ولكن بالأفعال، وخير دليل على ذلك فوز خالد البلشى نقيبًا للصحفيين، وهو الذى كان مرشحًا مستقلًّا؛ مما يؤكد كذب الادعاءات بأن الدولة تدخلت من أجل مرشح بعينه، وأن هذا الأمر عارٍ تمامًا عن الحقيقة والصحة، وأن عدم استيعاب الرأى والرأى الآخر وتصنيف المرشحين اجتهادات شخصية، والدولة بريئة منها.

وهذه النتائج تؤكد أيضًا أن الإرادة الشعبية لجموع الصحفيين تنتصر وتحقق مطالب الصحفيين، فى عدم التدخل من قريب أو بعيد فى صندوق الانتخابات، وهى رسالة مهمة فى توقيت مهم جدًا، واحترامها يعطى للصحفيين أملًا جديدًا فى مستقبل أفضل.

وأخطر ما فى انتخابات نقابة الصحفيين أن المرشحين، سواء على منصب النقيب، أو عضوية مجلس النقابة، تعاملوا بعد إعلان النتائج بشكل حضارى، فقام الزميل خالد ميرى بتهنئة النقيب المنتخب خالد البلشى، ورد عليه البلشى التهنئة بزيارة فى مكتبه، استقبله ميرى خلالها أحسن استقبال، وهذا يعطى إشارة قوية بوحدة الصحفيين، مما يفتح الباب لمناقشة قضايا أهم فى المرحلة القادمة، مثل حرية الصحافة بالمفهوم الشامل، وأجور الصحفيين المتدنية فعلًا، مقارنة بالفئات الأخرى، أو حتى مقارنة بالصحفيين فى دول المنطقة، فوفقًا للإحصائيات والأرقام، نجد أن الصحفى المصرى هو الأقل أجرًا بين أقرانه فى الدول العربية، ونحن هنا لا نتحدث عن الدول الخليجية بل حتى مقارنة بدول شقيقة مثل السودان والصومال، فتحسين هيكل الأجور هو أهم تحدٍّ لمجلس النقابة الجديد، وخاصة بعد رفض الجمعية العمومية ميزانية النقابة.

بالإضافة إلى ضرورة السعى لإصدار قانون تداول المعلومات بما لا يمس الأمن القومى المصرى، بأى شكل من الأشكال، وذلك حتى لا يذهب القارئ إلى مواقع أو قنوات تتآمر ضد الدولة المصرية، مثل إعلام الإخوان، أو الإعلام التوجيهى والإعلام الممول من جهات تحاول خلق الشائعات والبلبلة لدى الرأى العام.

وأنا أعتقد أن خط الدفاع الأول عن الأمن القومى المصرى هو الجماعة الصحفية؛ لأن الآلة الصحفية والإعلامية والإلكترونية أصبحت أكثر خطرًا من الآلة العسكرية، فهى قادرة على إحداث الفوضى وإسقاط الأنظمة من خلال ما يسمى (الشائعات الزاحفة والاندفاعية) والتى تضرب الروح المعنوية للجبهة الداخلية بسرعة وقوة أكبر من 20 ريختر، فتحدث زلزالًا فوضويًا ليس له حدود.

فالشائعات الصحفية، التى تقوم بها بعض المواقع الإلكترونية فى أوقات الأزمات، أكبر تأثيرًا من الحروب والكوارث الطبيعية؛ فلذلك يجب أن ينتبه نقيب الصحفيين، ومعه مجلس النقابة، لضرورة وضع آليات واقعية وقابلة للتنفيذ، للتعامل مع (هوجة المواقع الإلكترونية) المنتشرة فى مصر بلا رقيب أو ضوابط، وفى نفس الوقت علينا إدراك أن عملية حظر بعض المواقع القانونية ليست علاجًا ولكنها سم ينتشر بشكل كبير، ويوجد للجماعات المأجورة والممولة، شيئًا ليكتبوا عنه ووسيلة لدس السم فى العسل، وإعادة نشر أخبار كاذبة أو أخبار عفا عليها الزمن.

وأقترح تكوين مجلس أمناء من أعضاء الجمعية العمومية ليكون مجلسًا استشاريًا لمجلس نقابة الصحفيين، لاتخاذ قرارات تعود بالمصلحة على الصحفيين والدولة المصرية.

كما يجب التعامل بجدية مع تعديل أو تغيير قانون النقابة، فى بعض مواده، من خلال تشريعات إعلامية جديدة، لأن أول طريق العلاج هو الاعتراف بأن المشهد الصحفى والإعلامى تراجع فى مصر بشدة، وأصبح هناك فقدان للثقة بين المواطن المصرى الذى يمتاز بالذكاء والفطنة وقراءة ما بين السطور، ووسائل الإعلام التى يجب أن تمتاز بالمصداقية والشفافية والوضوح ونشر كل الآراء؛ لأن العالم أصبح سماوات مفتوحة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

فهل تكون عاصفة الصحفيين الجديدة بداية وأملًا جديدًا فى تغيير شامل لبعض الوجوه الإعلامية التى عفا عليها الزمن ونقلة جديدة لمهنة الصحافة؟ وهل ترعى الدولة المصرية الجماعة الصحفية معلوماتيًّا وماديًّا واجتماعيًّا، وخصوصًا فى ملف الإسكان؟ أعتقد أن تحقيق ذلك سيكون بداية لاستعادة دور الإعلام الوطنى الذى يعبر عن الشعب المصرى العظيم فى أوقات الأزمات والمحن.

ففى زمن اختلطت فيه كل المفاهيم، وضُربت فيه الأخلاقيات والقيم، هل تكون قرارات الدولة فى المرحلة القادمة طوق نجاة للصحفيين والإعلام الوطنى ليكون قادرًا على استعادة دوره الذى فقده بفعل فاعل؟!.

ونحن نراهن على ذكاء المواطن المصرى وعلى خبرة وحنكة الدولة المصرية، وفى انتظار ما سيسفر عنه الحوار الوطنى؛ لأنه سيكون مخرجًا من النفق المظلم إعلاميًّا وصحفيًّا، وسيحدث زلزالًا جديدًا فى الفترة القادمة، من خلال كوادر وعناصر وأسماء جديدة ستقود المشهد الصحفى والإعلامى.

ونحن في شهر رمضان المبارك، ندعو الله أن يحفظ مصر وشعبها وجيشها وصحافتها الحرة.

إعلان