إعلان

مفارقة في القارة السمراء

سليمان جودة

مفارقة في القارة السمراء

سليمان جودة
07:00 م الأحد 12 فبراير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أنهى سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، زيارته إلى السودان يوم الخميس ٩ فبراير، منزعجاً من كثرة عدد المبعوثين الغربيين الذين وجدهم في انتظاره في الخرطوم.

كان لافروف قد بدأ رحلة عمل إلى أفريقيا قبل أيام من وصوله الى السودان، وكانت هذه هي رحلته الثالثة في القارة السمراء خلال الأشهر الستة الماضية، وكان قد بدأ رحلته الحالية من جنوب أفريقيا، وكان بعدها قد مر على عدد من الدول في القارة، وكان متوجهاً بعد محطته السودانية الى تونس، والمغرب، وموريتانيا.

وفي السودان أدهشه جداً وجود ستة مبعوثيين غربيين من الولايات المتحدة الأمريكية ومن دول غربية، وقال ما معناه إن الغرب يلاحق بلاده ويقتفي أثرها في كل مكان تذهب إليه، وأن هذا العدد من المبعوثين هو أصدق دليل على صدق ما يقوله.

وهو قد ذهب إلى أبعد من ذلك فقال إن هذه الملاحقة الغربية لروسيا في كل مكان، تدل على نوع من عدم اللياقة، وأن هذا السلوك من جانب الغرب، لن يجعل موسكو تتراجع ولن يجعلها تتخلى عن أصدقائها التاريخيين في القارة السمراء.

والحقيقة أنه أمر مدهش بالفعل أن يكون كل هذا العدد من المبعوثين موجوداً في العاصمة السودانية، وفي وقت واحد، وبصرف النظر عن وجود لافروف أو عدم وجوده.

ورغم أن ما يقوله وزير الخارجية الروسي عن ملاحقة الغرب لبلاده صحيح في غالبيته، إلا أن وجود هذا العدد العجيب من المبعوثين الدوليين، والغربيين تحديداً، له علاقة مباشرة بالصراع على القارة في مجملها، أكثر مما هو صراع على التواجد والنفوذ في السودان.

وقد كانت الصين هي التي سبقت إلى أفريقيا، وكان وجودها اقتصادياً في غالبيته ولا يزال، ولكنه هو الذي نبه الغرب وفي المقدمة منه الولايات المتحدة إلى القارة، وإلى ثرواتها الطبيعية بالذات، وإلى ما يمكن أن يعود عليه وعلى واشنطن من وراء التواجد فيها.

ومن وراء الصين تقاطرت شتى الدول الكبرى، وسارعت روسيا إلى التواجد، ومن ورائهما راحت واشنطن تجري لتعوض ما فاتها، وكانت فرنسا موجودة في الأصل كمستعمر سابق، فبدأت هي الأخرى تعزز من وجودها، ولكنها تواجه صعوبات واضحة.

وقد كانت عناصر مجموعة فاجنر الروسية المعروفة، هي ذراع روسيا في عدد من دول القارة، ومن الواضح أنها ذراع طويلة، وليس أدل على ذلك إلا أنها بدأت تمثل بديلاً لفرنسا في بعض دول القارة، ومنها دولة مالي على سبيل المثال.

وإذا كان الدكتور يوسف أدريس قد قام برحلة استكشافية إلى آسيا بداية السبعينات من القرن الماضي، وإذا كان قد عاد وكتب حصيلة الرحلة في كتابه "اكتشاف قارة"، فالذين يكتشفون القارة الأفريقية هذه الأيام كثيرون، والمفارقة أن اكتشافها يتم على أيدي دول، وليس من جانب أفراد كما كان الأمر في حالة الدكتور إدريس، ولا يتبقى شيء سوى أن تكتشف القارة نفسها بنفسها، لتكون ثرواتها لأهلها أكثر مما تكون لسواهم.

إعلان