إعلان

قراءة في تقرير المخاطر العالمية ٢٠٢٣ (٣)

د.غادة موسى

قراءة في تقرير المخاطر العالمية ٢٠٢٣ (٣)

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

06:59 م السبت 11 فبراير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تعتبر المخاطر المرتبطة بقضايا المناخ من حيث القدرة على التأقلم معها أو مواجهتها من أكبر التحديات التي تواجه دول العالم في العقد القادم. فالفشل الذي تواجهه دول العالم في خفض الانبعاثات الحرارية لا يعود فقط إلى صعوبات تقنية بل إلى خلافات سياسية حادة. فالأزمات الجيوسياسية تستنفذ موارد كبيرة قد تؤثر على إمكانية القطاعين الحكومي والخاص في توفير موارد لمعالجة قضايا المناخ. على الجانب الآخر فإن إهمال قضايا المناخ من شأنه أن يزيد العبء على النظام الايكولوجي وإهمال تأثيره على الأوضاع الاقتصادية والصحية للكوكب. ففقدان المصادر الطبيعية سينعكس بقوة ليس فقط على المناخ، وإنما بصفة رئيسية على الأمن الغذائي وعلى زيادة حجم الكوارث الطبيعية.

ويعتبر التقرير أن المخاطر الحالية هي مخاطر مركبة بشكل معقد، حيث تتباين آثارها مما يجعل التعامل معها وتجنب تأثيراتها المتضاربة على المجتمعات البشرية أمراً عسيراً.

ويعتبر ارتفاع تكلفة المعيشة من أهم المخاطر على المستويين القصير والمتوسط بسبب قصور إمدادات الطاقة وارتفاع معدلات التضخم وأزمات إمدادات الغذاء (على سبيل المثال تعطل إمدادات القمح والزيوت). وهذه الآثار لن تؤدي فقط إلى أزمات غذاء أو كوارث إنسانية، بل ستقود إلى اندلاع الاضطرابات الاجتماعية في الدول ذات الدخل المنخفض.

فيمكن تتبع الكيفية التي تندلع بها الاضطرابات الاجتماعية من خلال تتبع التأثيرات المتتابعة لمتتالية تعطل إمدادات الغذاء (إما لاعتبارات مناخية أو جيوسياسية) وتأثرها على ارتفاع معدلات التضخم ومن ثم على زيادة المديونية العالمية، ومن ثم على انخفاض مستويات المعيشة وعدم القدرة على توفير الغذاء مما يؤدي إلى اتساع دائرة السّخط الاجتماعي ومن ثم عدم الاستقرار السياسي الذي قد يتطور إلى اندلاع اضطرابات اجتماعية في العديد من دول العالم. وهذه التأثيرات ستصيب بشكل أكبر أصحاب الدخول المتوسطة الذين سيشعرون بالإحباط لعدم قدرتهم على تحقيق حراك اجتماعي أو إمكانية تطوير فرصهم الاجتماعية والاقتصادية. ويواكب ذلك اتساع فجوة عدم المساواة في توزيع الثروات وانهيار القيم مع زيادة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، مما سيؤدي إلى زيادة المخاطر التي ستواجه النظم السياسية. ومن مظاهر تلك المخاطر حدوث الاستقطاب السياسي في الدول التي ستجري انتخابات سياسية، بالإضافة لغياب الرؤى السياسية المعتدلة ومن ثم القدرة على إدارة المخاطر بشكل جماعي وتشاركي.

كما تتضاءل قدرة دول العالم كافة على إدارة والتعامل مع المخاطر المركبة أمام عدم قدرة الحكومات على الانفاق العام في ظل وجود تحديات جيوسياسية وبيئية. فخلال العقد القادم ستمتلك عدد قليل فقط من الدول القدرات المالية للاستثمار في النمو والاقتصاد الأخضر والتقنيات الحديثة وخدمات التعليم والصحة. كما أن التآكل في البنية التحتية العامة والقدرات البشرية سيزيد بسبب تعقد المخاطر وتأثيراتها.

وتشير خريطة المخاطر العالمية إلى ثلاثة تهديدات كبرى مترابطة وذات ارتدادات واسعة على دول العالم والمجتمعات البشرية، وهي: تآكل التماسك الاجتماعي وانهيار وشيك في امدادات الواردات وسقوط عدد كبير من الدول.

في الجزء الرابع سيتم استعراض أهم المخاطر التي تواجه مصر على مدى السنتين القادمتين وخلال العقد القادم.

إعلان