إعلان

من سلمان رشدي إلى إبراهيم عيسى.. التطرف الإسلامي دون غيره!

د. هاني نسيره

من سلمان رشدي إلى إبراهيم عيسى.. التطرف الإسلامي دون غيره!

د. هاني نسيره
06:56 م الإثنين 15 أغسطس 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قبل وفاته بأربعة أشهر فقط، أفتى مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية روح الله الخميني في فبراير سنة 1989 باستحلال دم الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي صاحب آيات شيطانية، وحض المسلمين على قتله وقتل من يساعده في النشر أو الترجمة، وبعد تولي المرشد الحالي حسين خامنئي أكد على فتوى خميني وزادها من 2.8 مليون دولار إلى 3.4 مليون دولار، وكان آخر تصريح له بخصوص الموضوع عام 2005 مؤكدا رؤيته بردة رشدي وأنه مستحل الدم.

وفي مارس سنة 2016 بمشاركة مؤسسات إيرانية مختلفة، صرح نائب وزير الثقافة الإيراني الأسبق "سيد عباس صالحي" لوكالة الأنباء فارس نيوز "إن هذه الفتوى دينية، ولن تفقد قوتها أبدا، وهذه الجهود الموحدة الأخيرة تعد بمثابة تذكير قوي بأن رشدي لا يزال في غير مأمن".

ولم يعش سلمان رشدي في مأمن، فقد كان حذرا ومتوجسا الخطر لحد بعيد، مما جعله يخشى- كما صرح يوما- بأن يلعب مع طفلته في حديقة منزله، وأن هذه صارت أمنيته الكبيرة أو كما ذكر في مذكراته المنشورة تحت عنوان "جوزف أنطون" سنة 2012 حيث يقول "أنا مكمم ومسجون لا يمكنني حتى الحديث. أريد أن أركل كرة في حديقة مع ابني. حياة عادية مملة: هذا هو حلمي المستحيل".

فبعد فتوى الخميني ثارت مظاهرات ضد روايته في لندن وباريس وعدد من البلدان الإسلامية، وغير مكان إقامته أكثر من 56 مرة في ستة أشهر بعد الفتوى، وفي عام 1991 بدأ الخروج من حالة التخفي قليلا، ولكن ما لبث أن قتل مترجمه الياباني في يوليو من العام نفسه، وتمت مهاجمة فندق كان يقيمه به المترجم التركي..وهكذا ظلت تشتعل الفتوى غضبا ضده في كل مكان.

ويبدو أن هذه المرة الأخيرة التي شهدتها مؤسسة شوتاكوا بنيويورك في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا حاسمة في مسيرة سلمان رشدي الذي ينازع بين الحياة والموت، بعد أن هجم عليه مفترسا له شاب متطرف من أصل لبناني يدعى هادي مطر، اشترى بطاقة حضور لمحاضرة رشدي، الذي حصل على الجنسية الأمريكية سنة 2016، وطعن الكاتب والروائي في عينيه وكبده ليتركه يصارع بين الموت والحياة.

هكذا عملت الفتوى من المرجعية الشيعية الراحلة في نفس شاب موتور ربما لم يبلغ عمره عمر الفتوى ذاتها، قبل نيف وثلاثين عاما، ليستمر مسلسل اغتيال المختلف والكاتب والمبدع، وهو الأمر الذي تستهدف فيه الوجوه الناعمة وتحدث أثرا إعلاميا أكبر من استهداف القوى الصلبة أو الجماعات المنافسة.

تعيد حادثة نيويورك الأخيرة سلمان رشدي للأضواء من جديد، وتعيد الرواية للإعلام بقوة، وقد ترشح صاحبها لنوبل كما يتوقع البعض، وتزيد من شرعية الإسلاموفوبيا، حملات التشويه للإسلام والمسلمين في الغرب زخما وحضورا، كما تعيد التعريف بالتطرف الشيعي العنيف الذي لا يختلف عن شقيقه السني الذي تمثله داعش والقاعدة وغيرهما. وفي يوليو الماضي شهدنا وطالعنا تهديد القاعدة باغتيال الكاتب والصحافي المصري الكبير الأستاذ ابراهيم عيسى لطرحه ومناقشته رؤيته لخالد بن الوليد، الذي قد لا يختلف فيها عن رؤية بعض الصحابة للرجل، ولكنها أيقنة التراث والماضي التي لم تكن بين أهل التراث وأحياء ورموز الماضي أنفسهم، فقد اشتهر الخلاف بين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضى الله عنه وخالد بن الوليد رضى الله عنه، وقد عزله الأول بأسباب قريبة مما طرحه عيسى!! ولكن المتطرفين لا يقرأون.. أو لا يتذكرون..

يضيقون ذرعا بكل اختلاف، ويقعدون القواعد البشرية وكأنها وحي أنزل من السماء، فقد اختلف الصحابة وتقاتلوا وخطأ بعضهم بعضا، ولكن قومي منذ بلورة علم الكلام والعقيدة يصرون على" عدالة الصحابة" ويرونها اعتقادا يساوي التوحيد، كذلك اختلف الأقدمون حول مكانة الفقهاء وكان رأي بعض كبارهم في كبارهم سلبا، ولنذكر في ذلك رأي الطبري في ابن حنبل الذي قتله الحنابلة بسببه سنة 310 هجرية، أو رأي ابن تيمية في الإمام أبي حنيفة النعمان، أو رأي الشافعية والحنابلة في أهل الرأي من أتباعه..

إنها صناعة القداسة غير التاريخية المستمرة في التاريخ .. وجعل ما ليس إيمانا جزءا من الإيمان.. وتحريم النقد رغم أن النقل والعقل ليس إلا نقدا..

كذلك يمكننا القول في رواية" آيات شيطانية" التي تمثل تعاطيا إبداعيا مع فكرة التناسخ الهندوسية ومع التعدد الوثني، ومس فيها رشدي شخصية الخميني نفسه، لتتحول لتجرؤ مشين على الإسلام نفسه وعلى القرآن، رغم وجود الرواية التي أتى بها في مدونات التفسير والتراث..

إن الكتاب والمبدعين يمثلون صيدا سهلا، فهم بلا جيش وبلا حماية وبلا أتباع مدججون بالسلاح شأن تنظيمات التطرف ومؤسسات الدول، بل هم لا يملكون إلا عقلا وقلما، ولكن استهدافهم يثير الجميع ويبقى ببقائهم وببقاء الأفكار التي ينادون بها، فيحدث زخما إعلاميا تحتاجه جماعات التطرف أكثر في ظل أزماتها مع المجابهة للقوى الصلبة من الدول والحكومات..

ولكن يبقى السؤال لماذا الأصوليات الإسلامية وحدها دون غيرها من الأديان الإبراهيمية، فلم يقتل اليهودي سبينوزا حين قال بعدم صحة التوراة، ولم يقتلوا فرويد حين أنكر وجود موسى عليه السلام، نبيهم الأعظم بين ثمانية وثلاثين نبيا.. المتطرفون المنسوبون للإسلام وحدهم يقتلون ويثورون حين ينتقد ما يرونه الإسلام، سنة وشيعة على السواء، قتل الشيعة حسين مروة ومهدي عامل وسمير قصير واخيرا لقمان سليمان وسلمان رشدي، كما استهدفت السنية نجيب محفوظ

وفرج فودة ونصر أبوزيد وعلى عبد الرازق؟ ربما لأن أصوليات الإسلام هي الأكثر أزمة في هويته، حيث تماهي بين دين الأمة وجماعتها،وبين مقدسها ونسبيتها، يبدو الدين الحاكم الوحيد للحياة والتاريخ، الذي تخشى الاقتراب منه، بينما في غيرها قبلوا الوعي بالتاريخ والنقد وحركتهما، وتكيفوا معه وناقشوه ولم يقتلوه.. سحقا للتطرف ..وجه وأصل الأزمة وحلها المأزوم عند أهله.

إعلان