إعلان

قضايا لا تغيب على طاولة الحوار الوطني؟!

د. هاني نسيره

قضايا لا تغيب على طاولة الحوار الوطني؟!

د. هاني نسيره
05:16 م الثلاثاء 28 يونيو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

·لا شك أنه لا بد من الترحيب والتفاؤل بدعوة الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في 26 ابريل الماضي في حفل إفطار الأسرة المصرية، بحضور عدد من قيادات المعارضة والقوى السياسية، وفي مواجهة ومراجعة شجاعة للاستقطاب والقطيعة السابقة بين الحكومة والمعارضة، وتجسير الجسور للتفاؤل وحسن الظن، عبر تنشيط لجنة العفو السياسي وتوالي قراراتها المطمئنة على جدية الحوار، ثم اختيار تنسيقيته ومجلس أمنائه من أبناء هذا الوطن المخلصين والواعين بخطورة المرحلة وطنيا واقليميا ودوليا، وضرورة التكاتف بين أبنائه من من أجل مواجهة تحدياتها، جمعا لا طرحا وقسمة لا ضربا، وحوارا بلا قطيعة وتصحيحا ونقدا ذاتيا بلا مواربة ولا تردد.

نعم كان دالّا وملائما اختيار المناسبة، حين انطلقت دعوة الحوار الوطني من إفطار الأسرة المصرية، فمصر أم وأبناؤها أسرة واحدة، وهكذا كانت قديما وحديثا، مجتمعا حواريا وتعايشيا تنصهر في عبقرية مكانه وشخصيته- بتعبيرات جمال حمدان- كل اختلافاته وتنوعاته بل وطوائفه وأعراقه منذ قديم التاريخ وحتى الآن.

نجح المصريون باجتماعهم وحوارهم دائما في تجاوز الكثير من الأزمات منذ فجر دولتهم الحديثة، نجحوا في صناعة سابع دستور في العالم والثاني في الشرق الأوسط، ونجحوا في تجاوز الأزمة الطائفية بعد اغتيال بطرس باشا غالي بالمؤتمر المصري سنة 1911، واستطاعوا بتوافقهم إنجاز دستورهم الأهم سنة 1923، واستطاعت النهضة المصرية أن تحقق الكثير قبل كثير من دول العالم المتقدم والنامي، عاشر سينما ورابع بلد يعرف السكك الحديدية، وثالث بلد يعرف التليفون ووسائل الاتصال الحديثة، وأول جامعة أهلية مدنية بجهود شعبية سنة 1908، وليس انقطاع الحوار أو رفضه أو الهروب منه إلا علامة عجز للأمة المصرية التي أصرت دائما على بقائه نشطا وعاما عبر منابره المختلفة الرسمية وغير الرسمية.

ولا شك أن من المنطقي هيمنة الإصلاح السياسي على أجندة الحوار، بدعوته لمختلف القوى السياسية، سلطة ومعارضة، كونه الحاكم للمجال العام والضابط والمهيمن على غيره من المجالات، ولا شك أن التمكين للإصلاح السياسي، وفي القلب منه الحق في الحوار والاختلاف وواجب الاعتراف، يمثل أولوية وطنية في هذه المرحلة تليق بمصر وبحجمها ومكانتها الكبيرة، ودورها الجوهري في بناء أول ديمقراطية ودستورية عرفها العرب والشرق الأوسط، وشهدت وشهد لها الجميع بحيويتها السياسية والفكرية والثقافية منذ منتصف القرن التاسع عشر، ولم تتسع فقط حينها لأبنائها، بل اتسعت لكل دعاة الحرية والتنوير والإصلاح من مختلف المشارب والتوجهات، من الأفغاني والكواكبي في جهة حتى شبلي شميل وأديب إسحاق وفارس الشدياق والسانسيمونيين في الجهة الأخرى، واحتضنت مواهب كل الناطقين بالعربية وباللغات الأخرى منذ هبطوا أرضها، من دور الشوام في صحافتها وفنونها إلى تمصير كل الأعراق التي سكنتها برووحها وهويتها المتعايشة المتسامحة والمتنورة بها.

ومشاركة متواضعة منا وترحيبا بدعوته وأملا فيه نؤكد على عدد من القضايا الوطنية والجوهرية التي نود أن تكون رئيسة على أجندته وتأخذ مكانها في حواراته، وهي ما يلي:

1- قضية المؤسساتية:

فالمؤسساتية سمة الدولة الحديثة وجوهرها، فصلا بين السلطات التي تقوم به المؤسسات المختلفة، وتكاملا بينها، وفق ما تعنيه المؤسساتية من مبادئ رئيسة تمثل جوهرها، في تحديد المعايير السلوكية والمهنية لأفرادها والأهداف المحددة في دورها الوطني وخدمة المواطنين للرقابة والمحاسبة والتقييم والتقويم لمنسوبيها.. وهذه المبادئ هي الحاكمة والمخرج الوحيد من أي ترهل مؤسسي صارت تشهده العديد من المؤسسات في مصر، وتتراجع قابليتها وشعبيتها لدى عدد كبير من المستفيدين منها، عبر شخضنة بعض قياداتها الإدارية لها، كأن يحكم رئيس جامعة أو رئيس شركة أو مؤسسة حكومية ما تحت يده كملكية خاصة يوزع غنائمها على من يوافقه ويواليه ويعاقب من يخالفه، وهو أمر تراكم منذ عقود ولا بد من تجاوزه حتى تتحول مصر من شبه دولة إلى دولة وجمهورية جديدة يطمح لها المصريون ويؤكد عليها السيد الرئيس والحكومة.

والمؤسساتية وفق هذه المبادئ الحاكمة تنفي الشخصنة واستغلال النفوذ الذي يمارسه بعض أصحاب الحصانات والمهن المميزة وأصحاب القرارات، وما يبدو أحيانا من إيمان لدى بعض الجهات بالولاءات المتبادلة بين أبنائها دون سائر المواطنين والمهن الأخيرة، وهي أزمة وشبهة طالت عددا من مؤسسات مرموقة وغيرها مما يستوجب مناقشة مسألة المؤسساتية وإعادة طرحها بقوة عبر دليل سلوك مؤسسي لكل مؤسسي يفعل الدور التقييمي والتقويمي والرقابي لعناصرها كيلا تتغول على غير منسوبيها أو يفسدها بعض منسوبيها وتقوم بدورها المأمول في مستقبلنا المأمول.

2- قضية السياسات الثقافية:

وهي تلك السياسات المتعلقة بالوعي المصري العام سواء في مكافحة التطرف والتمكين للاعتدال، أو في تشجيع الفن والابداع والسلوك الحضاري للمجتمع وأفراده، والتمكين لمجتمع المعرفة في فرصة مجتمع المعلومات الزاحف، بغثه وسمينه، وتبره وترابه، وهو أمر أهملته الحكومات المصرية السابقة منذ عهد الراحل الدكتور ثروت عكاشة حين توليه وزارة الثقافة سنة 1969 وقد وضع فيها كتابا مهما بهذا العنوان: "السياسات الثقافية في مصر" صدر في العام نفسه، ويجب استدعاء مفهومه الآن ومحاولة تطبيقه في ظل هجمات رجعية ومتطرفة من أطرافها على العقل المصري واعتداله وضبط اتجاهاته وسلوكه.

3- قضية الثورة الأخلاقية:

تحدث الرئيس يوما عن الثورة الأخلاقية وحاجة المصريين لها، وهي قضية مهمة ونرجو أن تكون على أجندة الحوار الوطني، كيف نطور ونحمي أخلاق المصريين، حين تعاملهم مع أنفسهم ومع غيرهم من زوارهم وسائحيهم..كيف نمكن لمفهوم المواطنة بينهم وكيف نحميهم من العنف العشوائي والسلوك العشوائي وكيف تساهم مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في ذلك، كيف نعيد تنشيط تراث ماعت إلهة الضمير المصرية ووجدان المصريين العميق الإسلامي والمسيحي كواحدة من أقدم حضارات العالم ليبدو ويظهر ذلك في سلوك المصريين مع المصريين ومع غير المصرييين.

4- ضرورة تحرير المجتمع المدني والأهلي:

لا بد من تحرير المجتمع المدني وتفجير طاقاته وكوامنه كمشارك للحكومة والدولة، وإعادة استثمار تراثه وثقافته الشعبية في مواجهة التحديات القائمة، وشرط رئيس لذلك عدم تأميمه وعدم إدارته من خارجه، وعدم رفض جسارته ووضوحه أو فرض رموز عليه من خارجه.. وإعادة التمكين للحق في تكوين الجمعيات والتمكين لمنطق التداول في المجتمع الأهلي والمدني وتنشيط فكرة الوقف والمجالس الثقافية والجهود التنموية له.

وهو الأمر الذي يتطلب عدم احتكار مساراته وتأمين وفعالياته وفاعليه وعدم الوصاية عليه بفرض أهل الثقة دون أهل الخبرة والحقيقة فيه.

وختاما، كلي أمل ودعاء أن يكون ما بعد الحوار الوطني مبشرا ومختلفا من أجل مستقبل مختلف يضع معالمه، فالمستقبل هو السؤال المهم لأي عاقل، أما الضعفاء فيبقون محبوسي المخاوف والماضي والآخر دون رؤية الذات حاضرا أو مستقبلا.

إعلان