إعلان

منصات الإعلام الرقمي.. فيسبوك أغراها ثم عاقبها!

علاء الغطريفي

منصات الإعلام الرقمي.. فيسبوك أغراها ثم عاقبها!

علاء الغطريفي
06:15 م السبت 22 يناير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


تبحثُ منصات الإعلام عن تسجيل حضور قوي على المنصة الاجتماعية الأهمّ "فيسبوك"؛ ومن ثمَّ تسرفُ فى الاعتماد عليه، ظناً منها أنه السبيل الأسهل لجني الأرباح وتعظيم الإيرادات، دون أن تلتفت لسياساته واستراتيجياته المتغيرة والمتقلّبة أحياناً حول استضافته لمؤسسات الميديا.

من الخطأ أن ترمي الميديا بأوراقها جميعاً في فيسبوك، وتؤسس سياسات توظيف، وتلجأ لتفكيك تركيبة غرف أخبارها، وكأنها تعمل لديه وتنسى أنها مستضافة فقط على فضائه.
من الخطر أن تبني مؤسسات الإعلام نموذج العمل لديها على إمكانات فيسبوك، خاصة البث المباشر بوصفه مصدر الربح المضمون والإيراد السهل لتعظيم المداخيل المادية. هنا يبدو الأمر كمن يدفع نفسه إلى هاوية.

يدفع الجميع اليوم أثماناً غالية لهذا التوجّه الذي تعاظم بعد جائحة كورونا؛ لأن فيسبوك قرر أن يعدل مساراته ويرشد البث المباشر لصالح نموذجه الربحي للأعمال، وما يستتبعُه من إجراءات تتعلق بالصراع على الإعلانات مع منافسيه.

لم يعد سراً معاناة غرف الأخبار المصرية اليوم من تقليل الوصول إلى منشوراتها على فيسبوك، وبالتالي انخفاض معدلات الأداء على صفحاتها، ومن ثمَّ تأثرت أرباحها من المنتجات المرئية، خاصة البث المباشر، فبعد الإغراء جاء العقاب؛ بسبب توجهات فيسبوك الجديدة نحو تشجيع النشء لاستخدامه عبر "الجيمينج"، وكذلك دعم صُنّاع المحتوى على حساب المنصات الإخبارية بالتركيز على التسلية والترفيه ومنتجات اللاشيء.

كعادته يُغري فيسبوك الجميع بتحديثاته وتعزيز فرص الانتشار وبناء السُمعة التجارية، ثم يسحب بساطه رويداً رويداً، بعد أن يخلق اعتمادية ما من جانب المنصات على أي خاصية جديدة يطلقها، ثم يبدأ تقنين ما طرحه، سواء خدمة أو فرصة للرواج لتلتئم مع هدفه الرئيسي في الربح.
ووفق هذه الرؤية، بدأ فيسبوك خدمات الفيديو والبث المباشر واضعاً نُصب عينيه يوتيوب، المملوك لمنافسه الأشرس جوجل، ثم تيك توك، في ظل الحرب الضروس على كعكة الإعلانات في العالم، وكذلك اعتمادية البشر على الخدمات التي تقدمها هذه التطبيقات.

مؤسسات الإعلام في مأزق اليوم، أخصُّ بالطبع المصرية منها؛ لأن فيسبوك هو المنصة الاجتماعية الأولى في مصر. "ميتا" قرر أن يُغلق الماء والهواء أيضاً على انتشار مقاطع الفيديو والبث المباشر وحتى البوستات التفاعلية للمنصات الإخبارية، مع تعزيزه لفرص انتشار صُنَّاع المحتوى ودعم توجُّهه الجديد لجذب المزيد من النشء إلى التطبيق.
من يبني نموذج الأعمال في مؤسسات الميديا على البث المباشر على فيسبوك، ظناً منه أنها ستكون العائد الرئيسي لمنصَّته فقد ضاع مسعاه هباء. فيسبوك يمثل فرصة وحيدة للانتشار وليس جميع الفرص، فلا يمكن أن تضع كل البيض في سلة واحدة.

هذه ليست دعوة للتخلِّي عن حضور المنصات الإخبارية على فيسبوك، بل دعوة لترشيده وتحديد مسارات الاستفادة منه بحكمة حتى لا يكون سبباً في التراجع المهني أو انهيار نماذج الأعمال لمنصات الإعلام الرقمي.

لا يمكن بحال أن تعتمد على مصدر واحد في تحقيق الانتشار، ومن ثم الأرباح؛ لأن القاعدة هي الاهتمام بمنصَّتك أولاً وجودة محتواها، ثم النظر إلى نوافذ النفاذ للجمهور.
قد تكون لفيسبوك مبرراته في السعي للأرباح؛ نظراً لتحوّلاته منذ النشأة وما فعلته التجربة البشرية عليه ليكون مركزاً للحياة ونشاطاتها المتنوعة، ولكن على منصات الإعلام الرقمي واجب أن تُعيد تقييم تجربتها وأهدافها من الحضور على التطبيق.

قبل أن نطلب من فيسبوك أن يكون عادلاً مع منصات الإعلام الرقمي ويشاركها الأرباح التي يحققها عبر محتواها، على هذه المنصات الإعلامية أن تلتزم مهنتها وتلازم أصولها؛ لأن القيمة ستظل هي السلعة الوحيدة الذهبية.
المحتوى الجيد هو مخرن القيمة لأي مؤسسة إعلامية، مهما التبست الأمور داخل غرف الأخبار، أو لجأ البعض- في ظل غياب الجدارة وانعدام الكفاءة- إلى الاستسهال والاستسلام، فهنا ستجني على نفسها براقش.

إعلان