إعلان

مصر الصبر.. وجني الثمار

محمد حسن الألفي

مصر الصبر.. وجني الثمار

محمد حسن الألفي
07:03 م الثلاثاء 21 سبتمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حتى على المستوى الفردي، وفي أمور حياتنا اليومية، يفيد الأخذ بالصبر فائدة قد لا تكون فورية غالبا، لكن تتضح ملامحها، مع الأيام شيئا فشيئا يتحقق ارتياح سريع حين نثور ونفور ونحطم ونلطم ونؤذي، وبعدها تقع المراجعات، أو نتلقى رد الفعل اللاطم المدمر جزاء ما فعلناه. تقع حسرة ومباكتة ورجوع ... لكن بعد فوات الأوان.

الصابرون إذن هم العظماء في فنون الحكمة وإدارة الأزمات وتسخير أطراف العلاقة المشتبكين في الأزمة. جربت مصر الصبر مع نفسها وعلي نفسها طيلة العام الأسود الفارق ٢٠١١ وحتى العام الأشد سوادا وحلكة ٢٠١٢، وكان للمشير البطل محمد حسين طنطاوى، الراحل إلى رحاب الله أمس، تجربة عميقة في التمسك بالصبر وإعمال الحكمة والتريث، وتمرير الاعاصير .. حتى لا تقتلع البيوت...

وفي الصبر وفن إدارة العلاقات مع الكياسة والتزام الصمت، بينما العمل مستمر، يتقدم الرئيس السيسي بخطوات واسعة. فهو من أدار المشهد السياسي بتعقيداته وتنازعاته طيلة العامين ٢٠١٢، و ٢٠١٣، ثم هو من أجرى جراحات عميقة في بنية البلاد الاقتصادية بتؤدة وشجاعة وقام بوظيفة وزير إعلام بامتياز. مع استمرار نفس النهج، وبلا انقطاع، نتأكد إذن أنها طبيعة مؤسسة نعتز بها هي المؤسسة العسكرية، أخرجت رجلين أثبتا القدرة على التحكم والتصبر وكظم ردود الفعل، وإدارة الأزمات بحنكة ودراسة، ولا شك أن هناك غيرهما الآلاف من القيادات الرشيدة الوطنية. وإذا كان هذا النهج أتى ثماره داخليا، فإنه أوضح ما يكون في علاقات مصر الخارجية. لقد كان للغرب، بريطانيا وأمريكا على وجه الخصوص، موقف حاد متحفظ، بل رافض تقريبا لثورة الثلاثين من يونيو بتأييد من الجيش المصرى، وكان الموقف ذاته موضع تجنب ومراجعة وتحفظ من الاتحاد الإفريقي، لكن مع التعامل الواقعي، ومع العقلية التى أدار بها الفريق عبد الفتاح السيسي الأزمة، رأى العالم أنه رجل وطني ينقذ بلاده من كارثة حرب أهلية، طرفاها الشعب والجيش من ناحية وجحافل الإرهاب من ناحية أخرى.

من ناحية أخرى، لم تغب السرعة الواجبة، وعلى نحو حاسم، حين تعلق الأمر بذبح أو خطف مصريين في ليبيا، وفي غير ليبيا، وتأكد المصريون، لأول مرة بوضوح أن في بيتنا رجلاً، فقد انتقم الجيش لذبح مواطنينا المسيحيين في عملية شجاعة جريئة، بأوامر من الرئيس. ولم تغب السرعة الواجبة أيضا حين أعلن الرئيس تحريك قوات ومعدات، ووضع خطا أحمر لا تسمح مصر أبدا لأي قوات تركية أو ميليشات إرهابية بالاقتراب منه... وقال "سرت والجفرة خط أحمر". الحسم والجدية كان لهما أبلغ الأثر في تحقيق التقدم الذي تشهده ليبيا الشقيقة حاليا.. وفي الوقت الذي رفعت فيه مصر راية القوة العسكرية، تواصلت مصر السياسية مع الأطراف الليبية كافة، وبات البيت المصري حاليا مزارا للتفاهم والتلاقي ووضع الحلول....

كل الأطراف تأتي إلى القاهرة العاقلة ... شرقي ليبيا وغربها... عقيلة رئيس مجلس النواب وحفتر قائد الجيش الوطني الليبي من الشرق، وعبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة من الغرب.. ومعه أيضا رئيس المجلس الأعلى للدولة..

كلهم يثقون في حكمة وعقلانية، بل وصدق ونزاهة الموقف المصرى .. بلا أطماع... هذه السياسة آتت أكلها.. وبالفعل تستحوذ مصر على ٧٠% من عقود إعمار ليبيا... ويتوجه إليها بعد تسعة أيام مليون عامل ومهندس مصرى، يعيدون البناء، والرونق، مسلحين بخبرة واسعة في مشروعات مصر القومية في المدن الجديدة، ومزودين بحب فطرى لليبيا وشعبها الشقيق.

الاندفاع على المستوى الشخصي ندم ... فما بالك إن اندفع قائد ... وأخطأ في قراره؟ ارتكب خطيئة ...تمتد عقودا.. لا نزال نتجرع مرارتها... الصبر مذاقه حلو رغم ملل الانتظار وأطياف من التشكك.

إعلان